الأحد، 16 أغسطس 2009

بسم الآب والابن والروح القدس إله واحد أمين

مقدمة


v تعريفات

1- الصدوقيون :- هم طائفة خرجت من اليهودية ، أيام المسيح على الأرض .

2- السبتيون ( الأدفنتست ) :- بدعة غير مسيحية ، خرجت من البروتستانت ، وتميل إلى التفكير اليهودي (1)
3- شهود يهوه :- هم بدعة غير مسيحية ، خرجت من السبتيين ، وهم أكثر ميلا لليهودية (2)

v وتجمع : الكنائس الأرثوذكسية ( أقباط ـ سريان . . . . الخ ) ، وكذلك الكاثوليك وكتّاب البروتستانت ، على أن هذه الجماعات هم غير مسيحيين ، بل مرتدون تماماً عن المسيحية (3)، لأنهم لا يؤمنون ولا حتى بالأساسيات .

v ويشترك السبتيون ( الأدفنتست ) وشهود يهوه ، في انحرافات كثيرة ، بصور متباينة ، مثل : -

1 - ينكرون أن الآب والإبن والروح القدس إله واحد بل يفصلون بينهم كما لو كانوا ثلاثة أشخاص منفصلين ، إذ ينكرون أنهم ثلاثة أقانيم من طبيعة واحدة في ذات الإله الواحد الذي ليس سواه إله . ويطعنون في لاهوت الابن وفي لاهوت الروح القدس (4) .

2- يرفضون الاحتفال بيوم قيامة الرب ، يوم الأحد ، ويرتدون إلى إتباع السبت ، متمسكين بتفسير يهودي ضيق لكل العهد القديم (5)
( علما بأن الكنيسة الأرثوذكسية تحفظ السبت ولكن بفكر مسيحي ، وذلك ليس بالشلل فيه بل بالاحتفال به ، فلا يصام فيه إنقطاعيا ، ولا يكون السجود فيه بمطانيات كاملة ، لأن الرب إستراح فيه بعدما أكمل عمل الفداء على الصليب ، إذ قال حينذاك : [ قد أكمل ] يو 19 : 30 ، لذلك سمي هذا السبت بسبت الفرحl ولكن قيامة الرب يوم الأحد هي الحدث الأهم لنا ، إذ أقامنا معه ، لذلك فإن فرحة الأحد هي الفرحة الأعظم ، هي فرحة القيامة ، التي بها أنقذنا الرب من سلطان الموت والجحيم وأعطانا الحياة الحقيقية . )

3- ينكرون العقاب الإلهي الأبدي لإبليس والشياطين والناس الأشرار (6) .

4- يدعون أن الملكوت في القيامة سيكون جنة أرضية مملوءة بالملذات الجسدية (7) .

5- وبخصوص السبتيين ، فإن تسميتهم لأنفسهم بالأدفنتست ( أي المجيئيين ) كانت بسبب إدعائهم ــ في عام 1830 ــ بإكتشاف طريقة لحساب ميعاد المجيء الثاني ، وأنه سيكون في ربيع عام 1843 l فلما فشلت هذه النبوءة الكاذبة ، ادعوا بأن الخطأ نتج عن غلطة في الحساب ، وأن الحسبة المضبوطة هي يوم 22 أكتوبر 1844 ، وقاموا بدعاية كبيرة لذلك ، فصدقهم البسطاء وهجروا حقولهم ووظائفهم وارتدوا ملابس بيضاء وخرجوا إلى الجبال ليستقبلوا المسيح ، حسبما قالوا لهم l فلما فشلت الثانية أيضا ، تحايلوا بخدعة ، وهي أن المسيح جاء فعلا ولكن الناس لم يروه لأنه جاء متخفيا (علما بأنهم هم الذين سبق ودعوا الناس لاستقباله علانية ) ، وأنه ــــ في المرة القادمة ــــ سيأتي ظاهرا !!!! (8) .

v وهذه الجماعات الثلاثة ، تشترك معا ـــــ بالإضافة إلى حفظ السبت يهوديا ـــــ في إنكار وجود روح بشرية خالدة ، ككيان حقيقي متميز داخل الإنسان ، بل يدعون أن الإنسان والبهيمة سواء بسواء ، وأنه عند وفاة الإنسان لا يبقى منه أي شيء حي ، بل يتلاشى تماما (9)

v وأما بخصوص هذا الرد ، فإننا سنقتصر فيه على بدعة واحدة ، وهي بدعة عدم وجود روح بشرية خالدة ، فإن شاء الرب ، فسنوالي الرد على بقية البدع .

l ولزيادة التسهيل ، سيتم الرد من خلال سبعة جوانب ، لكل منها سنفرد فصلا منفصلاً . فعذرا عن بعض التكرار :


الرد الأول
للإنسان خلقة متميزة

أولا ً : - على صورة الله ، في الروحانية
والنورانية والقداسة والخلود


v خلق الله جميع الكائنات الحية الأرضية ، بمجرد الأمر فقط ، فهو أمر ، فكانت :- [ قال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية . . . وكان كذلك ] ( تك 1 : 24 ) .
v وأما الإنسان ، فقد كانت مشيئة الله هي أن يجعله خليقة متميزة جداً عن كل ما سبقه من كائنات أرضية ، إذ أنه مكتوب : [ وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا ] ( تك 1 : 26 ) . ( والله لم يقل ذلك أبداً عن البهائم !!! ) l أي أن الله ميز الإنسان بعناصر للمشابهة معه ، في بعض النواحي ، مما يجعله على صورته كشبهه. ● والكتاب المقدس يوضح ما هي هذه العناصر في المشابهة ، ويحددها في بعض الصفات الغير جسدية نهائيا ، وهي : -


( أ ) على صورة الله في الروحانية :-
● مكتوب عن الله : [ الله روح ] يو 4 : 24
● وعن علاقة الله بالبشر ، مكتوب أنه : [ إله أرواح جميع البشر ] عد 27:16 ، وأيضا أنه : [ أبي الأرواح ] عب 12 : 9 . ●● أي أن الروحانية هي عنصر مشابهة بين الله والبشر ، مع فارق أن الله هو الروح اللامحدود ،لا بالمكان ولا بالزمان ولا بالقدرة ، هو الروح الخالق . بينما البشر لهم أرواح محدودة ، ومخلوقة ، مثلهم مثل الملائكة .


(ب) على صورة الله في النورانية : -
● الله هو : [ أبي الأنوار ] يع 1 : 17 ● بينما البشر هم : [ أبناء النور ] لو 16 : 8 ، تس 5 : 5 .
●● أي أن النورانية هي عنصر مشابهة بين الله والبشر .
● مع فارق أن الله هو : [ النور الحقيقي ] يو 1 : 17 ، أي أنه هو النور الأصيل بالطبيعة ، الكائن في ذاته والنابع من ذاته . بينما أرواح البشر لا يكون نورها نابعاً من ذاتها بل موهوباً لها من الله ، فهي تستنير بنوره ، لأنه هو : [ النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان ] يو 1 : 9 ولذلك مكتوب أنه : [ دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب ] 1 بط 2 : 9 ، وأيضاً : [ كنتم قبلاً ظلمة ( بسبب الخطية التي أطفأت نورانية الروح ) ، وأما الآن فنور في الرب ] أف 5 : 8 ، وعن ذلك مكتوب : [ الرب إلهي ينير ظلمتي ] مز 18 : 28 . ● إذن فإن الله هو النور الحقيقي الذاتي ، أما البشر فإنهم يستمدون نورانيتهم منه . ● كما يوجد فارق أخر بين نورانية الله ونورانية البشر ، وهو أن : [ الله نور وليس فيه ظلمة البتة ] 1يو1 : 5 ، أي أنه هو النور المطلق الغير متغير ، وأما المخلوقات النورانية ، فتتجاذبها قوى النور والظلمة ، وتتصارع فيها ، كما هو مكتوب : ـ [ مصارعتنا . . . . مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر ] أف 6 : 12 ، فإما أن يثبتوا في القداسة ، وبالتالي في النورانية ، وإما أن يسقطوا في الخطية وبالتالي في الظلمة ، لذلك مكتوب : [ من يحب أخاه يثبت في النور . . من يبغض أخاه ، فهو في الظلمة ] 1يو 2 : 10، 11 .
●● إذن ، فالنورانية هي عنصر مشابهة بين الله والبشر .
(جـ) على صورة الله في القداسة : -
● إن الله يقول : [ وتكونوا قديسين لأني أنا قدوس ] لا 11 : 44 .
●● أي أن القداسة هي عنصر مشابهة بين الله والبشر .
● وعن ذلك مكتوب أيضاً : [ وتتجددوا بروح ذهنكم ، وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله ( أي كمثل الله وكشبهه ) في البر و قداسة الحق ] أف 4 : 23 ، 24 . مما يؤكد أن البر والقداسة هما عنصر للمشابهة بين الله والبشر ، وهذا العنصر كان قد سقط بسبب عصيان آدم ولكن رب المجد أعاده لنا من خلال التجديد بالميلاد الثاني ( عن الميلاد الثاني : ملحوظات 1، 6 صفحات 8 ، 17 ) .
● وعن أن القداسة هي عنصر للمشابهة مع الله ، مكتوب أيضاً : [ قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة ، لكي تصيروا شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ] 2 بط 1 : 4 . أي أن العنصر المشترك لنا مع الطبيعة الإلهية ، هو في عدم الفساد بالشهوات العالمية ، أي في القداسة .
● ومثلما أننا نحصل على النورانية من الله ، الذي ينير كل إنسان ( يو 1 :9 ) ، أي أن النورانية ليست ذاتية نابعة منا ، فكذلك أيضاً القداسة ، هي ليست ذاتية نابعة من ذواتنا ، بل إننا نستمدها من الله القدوس مصدر كل شيء صالح ، وعن ذلك مكتوب : [ لكي نشترك في قداسته ] عب 12 : 10 ، أي أن قداسة الإنسان مأخوذة ومستمدة من الله ، فإنه هو المصدر والينبوع اللانهائي للنور والقداسة والخير ، في الوجود كله ، بل إنه هو مصدر الوجود ذاته .
●● إذن ، فالقداسة هي عنصر مشابهة بين الله والبشر .
( د ) على صورة الله في الخلود .
● كل الكائنات الروحانية النورانية ( الملائكة وأرواح البشر ) ، خلقها الله خالدة لا تموت موت التلاشي والفناء .
● فإن الملائكة ــ على سبيل المثال ــ لم تشيخ ولم تموت ، مع أنها مخلوقة منذ ملايين السنين .
● لأن موت الأرواح السامية النورانية ليس هو موت التلاشي والفناء ، بل إنه موت أخطر وأعظم ، هو الحياة المعكوسة ، الحياة الشيطانية ، حياة الظلمة والعذاب والحقد والشر ، الذي هو " الموت الروحي " ( للمزيد : الرد الخامس ـ صفحات 31 – 33 ) .
●كذلك أيضاً الأرواح البشرية السامية النورانية لا تشيخ ولا تتلاشى ، بل تظل خالدة : - إما في الحياة الحقيقية التي خلقها الله عليها أصلاً ، وهي حياة النور والحب والخير ، إن هي ثبتت في طاعة الله ، وإما أن تنقلب حياتها رأساً على عقب ، إلى حياة معكوسة تماماً ( مثل نيجاتيف الفيلم ، المملوء سواداً ) ، هي حياة الظلمة والحقد والشر ، التي هي حياة الموت الروحي ، وذلك إن هي سقطت في العصيان ، فتصبح لها صورة واسم أنها حية ، بينما هي ميتة روحياً ، مثلما هو مكتوب : [ لك إسما أنك حي ، وأنت ميت ]رؤ 3 : 1 ، بل وقد تصل إلى حالة العفونة الروحية ( مت 23 : 27 ) إن تمادت في خطاياها ، بدون توبة .
v في الحياة الحقيقية ــــ كما خلقها الله ـــ نكون على صورة الله كشبهه في النورانية والقداسة ، فنكون أبناء لله بالمشابهة .
● بينما في الحياة المعكوسة ، حياة الموت الروحي ، نصبح على صورة إبليس كشبهه في الظلمة والشر ، فنكون أبناء للشيطان بالمشابهة ( يو 8 : 44 )
● وفي كلتا الحالتين : الحقيقية أو المعكوسة ، فإن الروح تظل حية ولا تفنى ولا تتلاشى .
v والكتاب المقدس يؤكد بكل وضوح حقيقة أن الروح لا تموت مع موت الجسد ، بل تستمر في كامل الحياة والوعي والإحساس ( للمزيد : أنظر الردين الرابع والخامس صفحات 26 ، 31 )
v وصفة دوام الحياة ، أو عدم الفناء ، أي الخلود ، هي صفة موهوبة من الله لخليقته الروحية ، والكتاب المقدس يشهد بذلك ، لذلك فليس من حق أي أحد أن يعترض على الخالق في الخصائص التي يمنحها لخليقته ، كما أنه من الضلال أن نظن أن الله يعجز عن عمل الأشياء التي نعتقد نحن أنها صعبة ومستحيلة ، لأن : [ هذا عند الناس غير مستطاع ولكن عند الله كل شيء مستطاع ] مت 19 : 26 ، [ غير المستطاع عند الناس ، مستطاع عند الله ] لو 18 : 27 ، لذلك مكتوب : [ ليكن الله صادقاً وكل إنسان كاذباً ] رو 3 : 4 ● ولذلك ، فإن من يشك في قدرة الله على فعل أي شيء ، فإنه ينطبق عليه ما قاله الرب للهراطقة الصدوقيين : [ تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله ] مت 22 : 29 .


v ومثلما أن قداسة ونورانية الله ـــ الغير محدودة وغير متغيرة ـــ تختلف عن قداسة ونورانية المخلوقات الروحانية المحدودة والقابلة للتغير ، فكذلك أيضا خلود الله يختلف عن خلود المخلوقات الروحية السامية ، من نواح كثيرة ، مثل : -
( 1 ) خلود الله ذاتي ، ينبع من ذاته هو ، بينما خلود الأرواح المخلوقة هو عطية وضعها الله فيها ، وليس ذاتيا نابعا منها .
( 2 ) خلود الله هو سرمدي ( أزلي أبدي ) : [ منذ الأزل إلى الأبد أنت الله ] مز 90 : 2 ، إذ أنه هو الموجود بذاته ، قبل كل زمان ، قبل بدء الخليقة ، أي في البدء المطلق السابق على كل بدء ( قارن بين يو 1 : 1، 2 مع تك 1 : 1 ) .
● بينما الأرواح السامية هي مخلوقة في الزمان ، فالملائكة مخلوقة في اليوم الأول للخليقة ، أي في الزمان ، كما أن البشر مخلوقون في اليوم السادس ، أي في الزمان أيضا .
( 3 ) خلود الله هو في حالة غير متغيرة ، حالة مستديمة ثابتة من النور المطلق والقداسة المطلقة . . . الخ ، بينما الأرواح السامية يكون خلودها في حالة قابلة للتغير من حال إلى حال ، بحسب ثباتها في طاعة الله ، فإن سقطت في العصيان فإنها تفقد الحالة النورانية وتتحول إلى حالة مظلمة ، فيصبح خلودها في الظلمة .


v ولكن خلود روح الإنسان لا يلغي فناء جسده الترابي . فلا نستطيع أن نهمل أيا من الجانبين : الروح البشرية السامية الخالدة ، والجسد الترابي الزائل الفاني .
●بل وكثيراً ما يذكرنا الكتاب المقدس بترابيتنا الفانية : - Vلكي يعالج تشامخ الروح والكبرياء V أو للوقاية منهاV أو بهدف إبعادنا عن الإتكال على القوى المادية الفانية V أو قد يكون بغرض تعزيتنا في ضيقات الجسد ، كالاضطهادات والأمراض ، مثلما هو مكتوب : [ إن كان إنساننا الخارجي ( أي الجسد ) يفنى ، فالداخل ( أي الروح البشرية ) يتجدد يوماً فيوماً ] 2 كو 4 : 16 ، أي أن فناء الجسد لا ينبغي أن يحزننا ، لأن أرواحنا لن تفنى معه ، بل ستتنقى وتسمو إلى حالة أفضل ، فالضيقات تنقى وتطهر الروح مثلما تنقى النار الذهب من شوائبه ، حتى تصير جديدة تماماً ، على نقاء صورتها الأصلية الأولى .
● ونلاحظ أنه عندما يكون كلام الكتاب المقدس موجهاً إلى أشخاص متواضعين ، فإنه لا يذكرهم نهائياً بترابيتهم وضعفهم ، بل بالعكس ، يشددهم ويشجعهم بتذكيرهم بسمو قيمتهم الروحية أمام الله .
● وفي كلتا الحالتين ، فإننا لسنا تراباً فقط كالحيوانات ، ولسنا أرواحاً فقط كالملائكة ، بل إن آيات الكتاب المقدس تتكامل معا، فإننا أرواح سامية تسكن في أجساد ترابية ، معا .
v وتوجد آيات كثيرة تتحدث عن خلود الروح البشرية ، وعدم فنائها مع فناء الجسد ، مثل : -
(1) [ وبعد أن يفنى جلدي هذا ، وبدون جسدي ، أرى الله ] أي 19 : 26
الآية تتحدث عن الفترة التي سيكون فيها الجسد قد فنى ، وبصبح الإنسان بدون جسده ، ومع ذلك فإنه سيرى الله . وهذه الفترة هي سابقة على قيامة الأموات التي فيها ستقوم الأجساد ، لأنه مكتوب : [ بدون جسدي ] فإنها ما بعد الوفاة وما قبل القيامة . فإن القديسين ـــ في هذه الفترة ـــ سينظرون الله بدون أجسادهم ، أي بأرواحهم التي لن تفنى مع فناء الجسد ، بل ستستمر حية في كل الأحوال ، أي أنها خالدة لا تموت .
(2) [ لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ] مت 10 : 28 .
● أي أن الإنسان الواحد فيه عنصران مختلفان تماماً في طبيعتهما : V الجسد القابل للموت V والنفس البشرية الغير قابلة للموت ، أي أنها خالدة . ( للمزيد عن هذه الآية : صفحة 43 ) .
(3) [ إن كان إنساننا الخارجي ( أي الجسد ) يفنى ، فالداخل ( أي الروح البشرية ) يتجدد يوما فيوما ] 2كو4 : 16. أي أن الفناء والتلاشي يقتصر على مسكننا الترابي فقط ، وأما العنصر الداخلي فينا ، وهو الروح البشرية السامية ، فإنه لا يفنى مطلقاً ، بل يتجدد ، فيزداد نقاء وقداسة ونوراً وخيراً( للمزيد صفحات 51 ، 52 )
(4) [ الجميع عنده أحياء ] لو 20 : 38 ، فإن الجميع الذين ماتوا ، مثل آبائنا إبراهيم واسحق ويعقوب ، والجميع بلا إستثناء ، هم أحياء ، مع أن أجسادهم تلاشت وفنت منذ آلاف السنين ، إذ أنهم أحياء بأرواحهم البشرية الخالدة ( للمزيد صفحة 28 )
(5) [ رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم ، وصرخوا بصوت عظيم قائلين : حتى متى أيها السيد القدوس والحق لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض . فأعطوا كل واحد ثيابا بيضا وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم واخوتهم العتيدين أن يقتلوا مثلهم ] رؤ 6 : 9 ـ 11
● لقد رأى القديس يوحنا الرسول نفوس الشهداء وهي في منتهى الحيوية والذاكرة والوعي .
إذ أن نفوس الموتى لا تتلاشى ولا تفنى مع موت الجسد ، بل تظل حية خالدة ( للمزيد صفحة 29 )
(6) [ اليوم تكون معي في الفردوس ] لو 23 : 43 .
● هذا الوعد الصادق ، قاله رب المجد للص اليمين بعدما إعترف بخطاياه وآمن بالمسيح وطلب منه أن يذكره في ملكوته . وهو وعد صادق من رب المجد ذاته ، و [ ليكن الله صادقا وكل إنسان كاذبا ] . إذن فموت جسد اللص اليمين لم يكن نهاية الأمر ، بل ذهب بروحه البشرية إلى الفردوس ، في نفس اليوم .

إذن فإن روح الإنسان هي خالدة لا تموت .
● إذ أن الله خلق الإنسان على صورته كشبهه ، في الروحانية والنورانية والقداسة والخلود .
● مع الفارق اللانهائي بين الله الروح النور القدوس الخالد السرمدي ، وبين أرواح البشر المحدودة المخلوقة القابلة للتغيير من حال إلى حال .
● و كل هذه الخصائص هي من خلقة الله الذي خلق الإنسان عليها ، وليست ذاتية نابعة من الإنسان نفسه .
((( ملحوظة (1) : لقد خلق الله آدم على صورته كشبهه في الروح النورانية المقدسة الخالدة ، ولكن سقوطه في العصيان أدى إلى تشويه صورته النورانية المقدسة ، فاختلطت بها عناصر الخطية والظلمة●ثم انتقلت هذه الحالة الساقطة إلى كل نسله ، مثلما ينتقل فيروس المرض من الأب لأبنائه ، أو من أصل الشجرة إلى جميع أغصانها ● ولكن الله جاء إلينا متجسداً من عذراء بمعجزة تفوق العقول ، لكي يخلق منها ناسوتا مقدسا لا يرث خطية آدم ، وعن ذلك مكتوب : [ هيأت لي جسدا ] عب 10 : 5 . ● والهدف من هذا التجسد المعجزي هو أن يكون جسداً مقدسا ولا يحمل خطية آدم ، حتى يمكنه أن يفتدي البشر منها ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . فبهذا الناسوت المقدس المتحد به كل ملء اللاهوت ، محا صك خطايانا ومنحنا الميلاد الجديد ، ليجدد صورتنا المشوهة بالخطية والظلمة ويعيدها إلى حالتها الأصلية النورانية المقدسة الخالية تماماً من كل ظلمة . ● ومثلما نتوارث الخطية بولادتنا من آدم ، هكذا أيضا نتوارث الخليقة المتجددة النقية بولادتنا بالولادة الثانية في المعمودية ، بفعل الروح القدس ، فنصبح أغصانا حية في المسيح ، ونرث قيامته وبره ( كو 2 : 12 ) . )))

v وصفات الروحانية والنورانية والقداسة والخلود ، هي صفات تقتصر على الأرواح السامية فقط ( الملائكة وأرواح البشر ) ولا تنطبق إطلاقاً على البهائم ولا على بقية الأحياء الأرضية ، التي لم يخلقها الله على صورته كشبهه ● فهناك فارق عظيم بين الأرواح السامية وبين الحياة الممنوحة لتلك الأحياء الأرضية ( حيوان . طير . نبات . حشرات ميكروبات . . . . . . الخ ) .


v فالملائكة وأرواح البشر ـــ فقط ـــ هم الذين يصفهم الكتاب المقدس بهذه الصفات : ــ
> فالملائكة يوصفون بأنهم نورانيون وناريون : [ خدامه لهيب نار ] عب 1 : 7 ، حتى أنهم يمكن أن ينيروا الأماكن التي يرسلهم الله إليها ( أع 12 : 7 ، رؤ 18 : 1 ) ، أو يظهروا منيرين كالبرق ( مت 28 : 3 ) ولكن نوارنيتهم ـــ مهما اشتدت حتى لتضيء الأرض كلها كالشمس ـــ تظل محدودة بالقياس إلى نور الله الحقيقي الغير محدود والذاتي والذي هو مصدر كل نور ، فإن نورهم هو عطية من الله ، وهي عطية تتوقف على ثباتهم في طاعة الله فإن الملائكة المتمردين ( إبليس وملائكته الأشرار ) ، بالرغم من قوة نورانيتهم ، سقطوا وتحولوا من ملائكة نور إلى شياطين ظلمة (1ف 12:6 ، كوا:13 ) فتتحول قوة النور الشديدة إلى قوة ظلمة ، بنفس المقدار من الشدة .
((( ملحوظة (2) : وهم يتحايلون لخداع البشر ، بأن يظهروا أنفسهم لهم بطريقة كاذبة ( بخداع النظر ) تجعلهم يرونهم كملائكة نور : - [ الشيطان نفسه يغير شكله إلى ملاك نور ] 2 كوا1 :14 . ولكن هذا الخداع يبطل بالصلاة ورشم الصليب . فتظهر حقيقتهم المظلمة ))) .


● كما أن الملائكة يوصفون بالقداسة [ الملائكة القديسين ] مت 31:25 .
( أما الملائكة الأشرار ، فيوصفون بالشياطين وبالأرواح الشريرة رؤ 13:16و14 ، لو 33:4و36 ) .
> كما أن البشر أيضاً يوصفون بالنورانية وبالقداسة ، كما أوضحنا سابقاً ، لأنهم مخلوقون على صورة الله كشبهه .
> وأما بقية الكائنات الحية الأرضية ، فلا توصف أبداً بالنورانية والقداسة والخلود ، ولا توصف أبداً بأنها مخلوقة على صورة الله كشبهه .


ملخص للخلقة المتميزة
على صورة الله
vبما أن الله يوصف بأنه : [ الله روح ] يو 24:4 ، وأنه [ إله أرواح جميع البشر ] عد 16:27 ، وأنه [ أبى الأرواح ] عب 9:12 ، وأيضاً أنه [ الله نور ] ا يو 5:1 ، وأنه [ أبى الأنوار ] يع 17:1 ، وأيضاً أنه [ قدوس ] لا 44:11 ، وأنه [ قدوس القديسين ] دا 24:9 .
v وبما أن الملائكة يوصفون بأنهم [ أرواح ] عب 14:1 ، وأيضاً أنهم [ القديسون ] مت 31:25 ، وأيضاً أنهم : [ لهيب نار ] عب 7:1 .
وكذلك أنهم : [ بنو ( أى أبناء ) الله ] أى 6:1 .
vوبما أن البشر أيضاً يوصفون بنفس هذه الصفات : - الروحانية : [ فى الناس روحاً ] أى 8:32 ، حتى أن الله يوصف بأنه : [ إله أرواح جميع البشر ] عد 26:27 ، وبالنورانية ، [ أبناء النور ] لو 16 : 18 ، و1تس 5:5 ، وبالقداسة : [ قديسين ] ا بط 15:1 .
· وبالإجمال ، فإنهم : [ تكونوا على شبه الله ] يع 9:3 .
· وبالأهم ، أنهم [ أبناء الله ] مز 1:29 ، يو ا : 12 .
vمن كل ما سبق ، يتضح أن معنى خلقة الله للإنسان ـــ فقط ، دون سائر الأحياء الأرضية – ـــ على صورته كشبهه ، هو أن الله ميزه عن بقية الأحياء الأرضية ، بميزة خاصة ، تجعله يحمل نفس الصفات والأوصاف الخاصة بالملائكة وليس بالبهائم .
وهذه الميزة هى أن فيه روحاً سامية نورانية ، شبيهة بالملائكة .
· وإن خلق هذه الروح البشرية السامية ، فى داخل الإنسان ، هى عجيبة فائقة ، وهى معجزة إلهية ، وتتساوى مع معجزتى خلق السموات والأرض ، وبها يتمجد اسم الله ، حتى أنه مكتوب عنه أنه : [ باسط السموات ، ومؤسس الأرض ، وجابل روح الإنسان فى داخله ] زك 1:12 .
● وهذه الروح البشرية السامية ، هى السبب فى وصف البشر ــ مثلهم مثل الملائكة ــــ بأنهم أبناء الله ، وهو ما لا يمكن أن يقال عن بقية المخلوقات ، فإن الوصف بأبناء الله ناتج عن التشابه الروحى وليس ناتجاً عن مجرد أنهم مخلوقاته ، فإن البهائم أيضاً هى مخلوقاته ، فهى حدث أبداً أن الكتاب المقدس وصف البهائم بأنهم أبناء الله ؟؟؟؟
· لذلك فإن هذه البدعة هى ضلالة خبيثة جداً ، لا يصنعها إلا الشيطان .


ثانياً : الخلقة المتميزة
بالنسمة الإلهية

v يذكر الكتاب المقدس أن الجنود السمائيين ، أى الملائكة ( لو 13:2 و15 ، رؤ 14:19 ، هو 5:12 .. الخ ) هم مخلوقون بالنسمة الإلهية الخارجة من فمه القدوس : [ بكلمة الرب صُنعت السموات ، وبنسمة فيه ( أى : فمه ) كل جنودها ] مز 6:33 .


v كما يذكر عن الإنسان نفس الشىء ، إذ أن الله : [ نفخ فى أنفه نسمة حياة ] تك 7:2 .


· وهذه النفخة الإلهية بالنسمة الإلهية ، هى مستمرة فى وجودها وفعلها ، فى كل أجيال البشر وليس فى آدم فقط ، لذلك مكتوب فى سفر أيوب الصديق : [ نسمة القدير أحيتنى ] أى 4:33 ، وأيضاً : [ فى الناس روحاً ، ونسمة القدير تعقلهم ] أى 8:32 ، أى أن روح وعقل الإنسان السامى الراقى هو نتيجة للخلقة المتميزة بالنسمة الإلهية .


v إذن ، فإن العامل المشترك بين الملائكة وبين أرواح البشر ، هو أنهم جميعاً مخلوقون بالنسمة الإلهية الخارجة من فمه القدوس ● وإن ذلك الأمر يقتصر عليهما فقط ، دون باقى الأحياء الأرضية .
● مع فارق أن الملائكة هم أرواح سامية نورانية خالصة بينما البشر لهم أرواحاً سامية نورانية متحدة بأجساد ترابية قليلة القيمة ووضيعة الشأن .
وبسبب هذا الفارق ، مكتوب عن الإنسان : [ تنقصه قليلاً عن الملائكة ] مز 5:8 ، فإن هذا النقصان قليلاً ، هو بسبب أن الإنسان ليس مجرد روح سامية فقط ـــ كالملائكة ــــ بل انه روح سامية فى جسد ترابى وضيع القيمة والشأن .


v ملحوظات إضافية على الآية : [ فى الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم ] أى 8:32 : -
(1) إنه مكتوب [ فى الناس روحاً ] فليس الإنسان روحاً فقط ، ولا هو جسد فقط ، بل : روح فى جسد .
وهذه العلاقة بين الروح والجسد ، يشبهها الكتاب المقدس بالساكن فى المنزل الترابى ( للمزيد الرد السابع صفحة 10 )
(2) وبالنسبة للنسمة الإلهية ، فها هى مذكورة هنا فى هذه الآية ، فى سفر أيوب الصديق ، بعد أجيال كثيرة جداً من آدم ، دليلاً على إستمراريتها فى كل الأجيال ، كما أنها مذكورة بوجه مطلق لجميع البشر : [ فى الناس ] ، فهى لا تختص بالبعض دون الآخر ● بل أن أيوب الصديق يعلن بوضوح بأنها فى أنفه هو شخصياً ، وليس فى آدم فقط ، إذ يقول : [ نفخة الله فى أنفى ] أى 3:27 . إذن فإنها مستمرة فى وجودها وفاعليتها فى كل نسل آدم .
● كما أن الإشارة إلى هذه الخلقة المتميزة ، لم تتوقف عند سفر أيوب ، بل إنها فى الكتاب المقدس كله ، فإن رسالة يعقوب الرسول تواصل تذكيرنا بها ، عن البشر أجمعين : - [ الناس الذين تكونوا على شبه الله ] يع 9:3 . إذن فالخلقة المتميزة للإنسان على صورة الله كشبهه ، لم تقتصر على آدم وحده ، بل إنها تشمل جميع البشر .
(3) كما نلاحظ – فى هذه الآية : العلاقة الوثيقة بين روح وعقل الإنسان ، وبين الخلقة المتميزة بالنسمة الإلهية ، فإن الإنسان بسببها أصبح له الفهم الروحانى السامى القادر على التأمل فى السماويات وفى الإلهيات ، والمكتوب عنه [ روح من فهمى ( حرفياً : روح فهمى أو عقلى) يجيبنى ] أى 3:20 ، وأيضاً [ تتجددوا بروح ذهنكم ] أف 23:4 .
● وهذا الفهم الروحانى يسمو جداً فوق الفهم الجسدانى الذى ينحصر فى الأرضيات بهدف حفظ النوع ، بالغذاء والتكاثر والدفاع عن الذات . . . . . الخ ( أنظر الرد الثالث – الفهم الروحى صفحة 22 ، 23 )
v إذن ، فإن الله أعطى الإنسان كرامة عظيمة جداً تسمو فوق كل المخلوقات الأرضية ، إذ خلقه على صورته كشبهه فى الروحانية والنورانية والقداسة والخلود .
والواجب علينا أن نتفهم عظمة هذه الخلقة ، وأن نشكر الله على عطيته العظيمة ، وأن نحافظ عليها بالسمو فوق الأرضيات والتطلع إلى الروحيات ، وإلا انطبق علينا المكتوب : [ إنسان فى كرامة ولا يفهم ، يشبه البهائم التى تباد ] مز 20:49 .
● وحيث أن الإنسان مخلوق على صورة الله كشبهه ، فإن الإدعاء بتساوي الإنسان بالبهيمة ، ستجعل البهائم أيضاً على صورة الله كشبهه !!! فهل يصح أن يقال ذلك !!!
إذن هذه البدعة لا تتوقف عند إهانة الإنسان بمساواته بالبهائم ، بل إنها تهين الله ذاته .
لذلك فإنها بدعة شيطانية


ثالثا : نتائج الخلقة المتميزة


1 -- أصبح الإنسان على صورة الله فى الروحانية والنورانية والقداسة والخلود ، كما مر بنا سابقاً .
2 -- أصبح الإنسان فى مستوى عالٍ جداً عن كل الأحياء الأرضية . فهو ليس فقط قمة السلالة الأرضية بل إنه خليقة متميزة تحتوى على روح سامية تجعله سيداً لها كلها ( تك 26:1 ، 27 ) بل تجعله فى منزلة عالية جداً عن كل الأحياء الأرضية إلى درجة أن الإنسان الواحد له قيمة عند الله أفضل من آلاف الحيوانات ( أنظر الرد الثالث .. 1 .. صفحات 20 ، 21 ) .
● الأحياء الأرضية كلها ، مجرد أجساد فانية بلا روح سامية خالدة ، فإنها بطبيعتها الأصلية حيوانات أعجمية مخلوقة للصيد والفناء ( 2 بط 12:2 ) ، مثلها مثل النباتات والأعشاب ( تك 9 : 3 )
لذلك فقد أحلَ الله للإنسان ذبحها وأكلها ، جميعاً بلا استثناء ،لأنها مخلوقة لذلك ، وقد كان ذلك منذ أيام نوح ، إذ قال له ولبنيه : [ كل دابة حية (أى كل ما يدب ويتحرك ) تكون لكم طعاماً كالعشب الأخضر ، دفعت إليكم الجميع ] تك 3:9 . ((( ملحوظة (3) : منذ أيام نوح ، كان الأصل هو إباحة كل أنواع الأطعمة بلا أى استثناء . ولكن الله ـــ بعد ذلك بآلاف السنين ـــ وضع أثقالاً تأديبية على الشعب المتمرد ، وكان منها تحريم أكل بعض الأطعمة . ولكن الله رفع عنا هذه الأثقال ، بعد الفداء والمصالحة . كو 12:2 – 021 أنظر أيضاً ملحوظة (9) . ))) .
● إذن فإن جميع الكائنات الأرضية هى محللة للذبح والأكل ، وأما عن الإنسان ، فقد حرَم الله بشدة ، ليس فقط ذبحه وأكله بل لقد حرم مجرد قتله أو إيذائه بأى صورة من الصور . والسبب فى هذا التحريم هو سبب واحد ، أوضحه الله بعد تحليله لذبح وأكل الأحياء الأرضية ، مباشرة – إذ قال : [ سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه ، لأن الله على صورته عمل الإنسان ] تك 6:9 . أى أن سبب هذه الكرامة العظيمة التى اختص بها الإنسان وحده ، ينبع من هذه الخلقة المتميزة للإنسان ، على صورة الله كشبهه . ●فإن كان الإنسان والبهيمة سواء بسواء ، كما يدَعون ، فما هو المانع فى أكل لحوم البشر !!! أليست هذه الضلالة هى من صنع الشيطان ، الذى يجعل عبدة الشيطان يأكلون لحوم البشر ، قديماً وحديثاً أيضاً .
3 --- كما صار البشر ـــ مثلهم مثل الملائكة المخلوقين بالنسمة الإلهية –ـــــ صاروا يُدعوَن : [ أبناء الله ] مز 1:29 ، أى 6:1 .
●وهذه البنوة لله ليست بحسب الطبيعة والجوهر ، لأن اللاهوت لا يتغير ولا ينقسم ولا يكون لغير الله السرمدى وحده ● بل أنها بنوة بالتشابه والتبنى ، كنتيجة لوجود عناصر المشابهة ولذلك فإن هذه البنوة تسقط إذا سقطت القداسة ، فيتحول الملائكة من أبناء لله ، إلى شياطين ، كما يتحول البشر من أبناء لله بالمشابهة إلى أبناء لإبليس بالمشابهة . لذلك قال الرب للأشرار : [ أنتم من أب هو إبليس ] يو 44:8 ، لأنهم تشابهوا مع إبليس فى عناصر الشر والظلمة . مع فارق هام ، وهو أن للبشر ـــ ماداموا فى الجسد ــــ فرصة للتوبة والرجوع .


((( ملحوظة (4) : - عن إبن الله الكلمة الأزلى : أولاً : تعبير (( إبن )) ليس له أى معانى جسدية ، بل معانى روحية مطلقة ، مثلها مثل ميلاد النور من النار ، أو التفكير فى الدماغ . ثانياً : تعبير (( الكلمة )) أى اللوغوس ، وهى كلمة يونانية تعنى المنطق والعقل والتفكير ، أى العقل الإلهي . ثالثاً : الله الكلمة هو [ الإبن الوحيد ] يو 16:3 ، أى الوحيد الذى من ذات جوهر اللاهوت وليس بالتبنى ، أى الوحيد بحسب الجوهر . رابعاً : وهو الكائن منذ الأزل ، قبل الزمان ، قبل بدء الزمان وقبل بدء الخليقة ، لأنه هو الخالق لكل الخليقة ، بسمائها وأرضها : [ كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان ] يو 3:1 ، عب 3:11 فهو خالق البدء الذى إبتدأ فيه يخلق السموات والأرض والمكتوب عنه : [ فى البدء خلق الله السموات والأرض ] تك 1:1 ، لأنه هو خالقها جميعاً . هو الكائن فى البدء المطلق السابق على كل بدء :[ في البدء كان الكلمة ] يو 1:1 ، فهذا البدء الذى كان موجوداً فيه هو البدء السابق على بدء خلق السموات والأرض ، أى أنه هو البدء المطلق السابق على كل بدء فى الوجود كله . بل وأكثر من ذلك ، فإنه لم يبتدأ أن يوجد فى هذا البدء المطلق ، بل إنه كان موجوداً فيه بالفعل ، لذلك مكتوب [ فى البدء كان الكلمة ] وليس أنه ابتدأ أن يكون فيه . أى أنه سابق حتى على البدء المطلق . خامساً: وهو الاقنوم الذى لا قيام بدونه. إذ يستحيل وجود أى شىء بدونه ، لأنه مكتوب: [ بغيره لم يكن شىء مما كان ] ، فيستحيل وجود الذات الإلهية بدون اللوغوس ( أي العقل الإلهي ) ، فهو الذى لا قيام بدونه ( الإقنوم) ولا غنى عنه . وأما الملائكة والبشر أجمعين فإن الله فى غنى عنهم جميعاً ،ولا يمكن أن يقال عن أى منهم أنه بغيره لم يكن شىء مما كان ، لأنهم مجرد مخلوقات ، والله الذى خلقهم من العدم قادر على أن يخلق الآلاف بدلاً من أى واحد منهم. أما الابن الوحيد بحسب الجوهر ، فإنه هو كلمة الله أى عقل الله الذى من ذات جوهر الله ، ويستحيل وجود الذات الإلهية بدون العقل الإلهى ، لذلك فإنه هو وحده الإقنوم الذى لا قيام بدونه . سادساً: وهو خلق كل شىء من أجل حبه لها ، وليس تنفيذاً لمصلحة أو رغبة شخص آخر ، لذلك مكتوب :[الكل به ،وله ، قد خلق ] كو1 :16 سابعاً: وكلمة إبن الله تعنى أنه منه وفيه منذ الأزل وإلى الأبد ، بلا تغيير ، مثلما أن النور مولود من النار منذ أن توجد النار ، بلا تقدم ولا تأخر عنها ، فكذلك الابن فى الآب منذ الأزل وإلى الأبد . والابن لا ينفصل عن الآب مثلما أن النور لا ينفصل عن النار ، ولا يمكن وجود أحدهما بدون الآخر ، فيستحيل أن توجد نار بدون نور إطلاقاً . ثامناً: أما بخصوص التجسد الإلهى بالولادة المعجزية من السيدة العذراء ، فإنه موضوع مختلف ولا علاقة له نهائياً بتعبير " إبن الله الكلمة" ، فإنه كان موجوداً ليس فقط قبل وجود العذراء ، بل قبل بدء كل زمن كل خليقة ، فإنه هو خالق كل شىء بما فيهم السيدة العذراء نفسها ، فهو خالقها ولكنه جاء وخلق لذاته منها جسداً معجزياً مقدساً ، لكى يفدى ـــ من خلاله ـــ كل البشر ، فإنه تجسد منها لكى يصبح له لقب " إبن الإنسان " حتى يمكن أن ينوب عن البشرية فى حمل ذنوبها وعقوباتها وينقذها من سلطان الموت والظلمة )))

v نعود لتسمية البشر والملائكة بأنهم [ أبناء الله ] ، فنشير إلى أن الله لم يوصف أبدا بأنه أبى الأجساد ، بل فقط : [ أبى الأرواح ] عب 12: 9 ، وذلك لأن: [ الله روح ] يو4 : 24
· كما انه يدعى [ أبى النوار ] يع 17:1 ، لأن : [ الله نور ] 1يو 5:1
· بينما البشر والملائكة ، فكما أنهم يدعون [ أبناء الله ] ، فكذلك يدعون [ أبناء النور ] لو 18:16 وأيضاً أنهم : [ نور ] مت 14:5 ( للمزيد صفحات 4 ، 8 ، 9 ) .
· فإن هذه البنوة لله ، وهذه النورانية ، تقتصران على الملائكة والبشر فقط ، لأن للبشر روحاً سامية نورانية مشابهة للملائكة.
· وبسبب هذه الروح البشرية المشابهة للملائكة ، فإن رب المجد قال أن القديسين فى القيامة سيكونون : [ كالملائكة] مت 30:22 ● بل أن الإنسان الروحانى ، السالك بالروح ، يسمى ملاكاً ، مثل يوحنا المعمدان ( مت 10:11 ) ، أو بالعكس ــــ إن سقط فى العصيان ـــ يسمى شيطاناً ، مثل يهوذا الإسخريوطى ( يو 6 : 70 ، 71 ) ، ومثل عليم الساحر ( أع 13 : 10 ) ، ومثل كل إنسان كذاب ، فإنه أيضاً يسمى إبنا لإبليس ( يو 8 : 44 ) .


((( ملحوظة 5 : وقد يكون تشابه الروح البشرية للقديسين مع الملائكة ، هو السبب فى أن التلاميذ عندما ظنوا أن الواقف على الباب هو روح بطرس ، قالوا أنه ملاكه . أع 12 : 15 ، وقد يكون أيضاً هو السبب فى وجود الملاك الحارس للإنسان ، وقد يكون ذلك هو السبب أيضاً في أن الرب قال عن الأطفال أن : [ ملائكتهم في السموات كل حين ينظرون وجه أبي الذي في السموات ] مت 18 : 10 )))


· إذن لولا وجود الروح البشرية السامية النورانية ، ككيان حقيقى داخل هذا الجسد الترابى الوضيع الشأن ـــ الذى لا يهتم إلا بالأرضيات ـــ لإستحال وصف البشر بتلك الأوصاف الروحانية الخالصة ، التى لا يوصف بها إلا الملائكة ، والتى تجعله على صورة الله كشبهه .
· ونلاحظ أن الله أختص البشر فقط ، بإعطائهم فرصة للتوبة والرجوع ، وذلك بسبب أنهم ليسوا أرواحاً خالصة ـــ كالملائكة ـــ بل إنهم أرواح سامية تسكن فى آنية ترابية ضعيفة ، فإنهم محاطون بالضعف من كل جانب ، مما يستوجب لهم معاملة خاصة ، لذلك فقد أعطاهم الله الفداء وأعطاهم الفرص الكثيرة لإصلاح ذواتهم بالتوبة والاعتراف ● ولكن هذه الفرص هى محصورة فى مدة البقاء فى الجسد الترابى الضعيف ، فإن أضاع الإنسان الفرصة حتى خروج الروح من الجسد ، فإن الفرصة تضيع إلى الأبد ، إذ يتساوى ــــ حينئذ ــــ بالشياطين.

4 -- المواهب الروحية
هى نتيجة من نتائج وجود الروح البشرية السامية ، فالروح فقط هو الذى ينال المواهب الروحية. (( الله قادر على كل شىء . فهو قادر على أن يجعل حتى الحجارة تنطق بمجده : ( لو 19 : 40 ) ، ولكنه أعلن بكل وضوح أنه لا يريد إلا عبادة الروح : يو 4 : 23و 24.))
● ولذلك فإن الله ينعم على البشر ــــ وليس البهائم ــــ بالمواهب الروحية المتنوعة ، مثل النبوءة وشفاء الأمراض وعمل المعجزات .. .. إلخ
5 -- محبة الله الفائقة ، للبشر :
· هى محبة فائقة ، إلى درجة أنه يقول بفم حكمته الإلهية : [ لذاتى مع بنى آدم ] أم 8 : 31 . ذلك لأن الإنسان هو مخلوق متميز ، خلقه الله على صورته كشبهه ، فأصبح له الروح السامية القادرة على تفهم كلام الله ووصاياه ، والتجاوب معه وطاعته.
· وهى محبة فائقة ، إلى درجة الحب الأعظم : [ ليس لأحد حب أعظم من هذا ، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه ] يو 15: 13 .
· وهى محبة فائقة ، إلى درجة البذل والفداء : [ هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ] يو 3 : 16 .
· وهذا الحب الأعظم ، يؤكد لنا سمو البشر عن سائر الأحياء الأرضية ــــ التى يذكر الإنجيل عنها ، أنها مخلوقة بطبيعتها للصيد والفناء ( 2بط 2 :12 ) ــــ بسبب هذه الخلقة المتميزة التى منحت البشر هذه الروح البشرية السامية العديمة الفناء والغير قابلة للموت ( للمزيد : صفحات 12 ، 20 ، 21 ) .
6 -- عبادة الروح
· الله لا يطلب المستحيل ، فلولا وجود الروح البشرية فى الإنسان ، لما طالبه بعبادة الروح ، إذ يقول : [ الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغى أن يسجدوا ] يو 4 : 24.
· فلو لم يكن فى الإنسان هذه الروح السامية القادرة على الفهم الروحى والعبادة الروحية ، لما طالبه الله بذلك.
· كما نلاحظ ـــ فى هذه الآية ــــ العلاقة الوثيقة بين أن الله روح وبين المطالبة بعبادة الروح ، أي أن وجود الروح البشرية ــــ ككيان حقيقى يقدم العبادة ـــــ يرتبط مع وجود الله ــــ ككيان حقيقي يتقبل هذه العبادة ــــ لذلك فإن من ينكر هذا ، ينكر ذاك .
7 -- الفهم الروحي
· لولا وجود الروح السامية ، لما أمكن أن يوجد الفهم الروحاني السامي ، الذي يختلف كلية عن الفهم الجسداني .
فإن الفهم الروحي هو ناتج عن الخلقة المتميزة للبشر ، على صورة الله في الروحانية ( للمزيد : الرد الثالث صفحات 20 ، 21 ) .


++++++++++++++++++++++++++++++++

الرد الثاني


الله هو خالق الجسد والروح معاً


1 -- الله هو خالق الجنين ـــ بكل خصائصه ـــ في بطن أمه ، لذلك مكتوب : [ نسجتني في بطن أمي ] مز 139 : 13 ، وأيضاً : [ قد صورنا . . . . في الرحم ] أي 31 : 15 ، وأيضاً : [ الرب صانعك وجابلك من الرحم ] أش 44 : 2 .
● والله هو الذي يعطي للجنين كل خصائصه العامة والخاصة ، لذلك يقول : [ قبلما صورتك في البطن عرفتك ] أر 1 : 5


2 -- مشيئة الله هي التي تخلق الجنين :
● مشيئة الله ــــ وليس البشر ــــ هي التي تخلق ، وأما الدور البشري فإنه مجرد جزء من النظام الإلهي الشامل .
● فإن الله هو الذي خلق قوانين التوالد والوراثة ، كما أنه ـــ في نفس الوقت ـــ يتحكم في كل صغيرة وكبيرة تحدث في الكون كله ، بما في ذلك تكوين الجنين ، فليس شيء يتم بدون مشيئته وقدرته الغير محدودة .
● وذلك يتشابه مع أن الفلاح لا يخلق النبات ، بل فقط يزرع البذار ● كما أن الأرض لا تعطي الحياة لهذه البذار وتجعلها نباتاً نامياً ، بل إن ذلك كله يتم بالقوانين الإلهية التي خلقها الله لتتحكم في هذه الأمور ● وكل ذلك يتم تحت السيطرة الدائمة لله ، فهو الذي يخلق البذار ، وهو الذي يعطيها الحياة والنماء ، أو يحجب بركته عنها فتموت .


J مشيئة الله هي التي تمنح أو تمنع النسل :
● توافر الظروف والعوامل ، أو انعدام توافرها ، ليس هو العنصر الحاسم في خلق الجنين ، بل إن الله هو الذي يمنح أو يمنع النسل .


l ومن الأمثلة على منح الله النسل للذين ليس لديهم القدرة الطبيعية : ـ
1- أبينا إبراهيم وسارة ، فبعدما شاخا ، حتى بلغت سارة سن التسعين ، أعطاهما الله اسحق ( تك 17: 17)
2- زكريا الكاهن وأليصابات ، بعدما شاخا ، أعطاهما الله يوحنا المعمدان ( لو 1 : 7 ) .
3- راعوث التي تزوجت شيخا ، لتمسكها بالشريعة مكتوب : [أعطاها الله حبلا فولدت ]را 4 : 13


l ومن الأمثلة على منع الله النسل ، بالرغم من توافر الظروف الطبيعية : -
1- منع النسل عن كل بيت أبيمالك ، عقابا وتحذيرا له : [ أغلق الله كل رحم لبيت أبيمالك ] ، ثم لما أطاع ، أعطاه الله النسل : [ فشفى الله أبيمالك وإمرأته وجواريه فولدن ] تك 20: 17و18 .
2- منع الله النسل عن حنة ، ولعل السبب هو تفضيل زوجها لها أكثر من ضرتها ، ففعل الله ذلك لكي يوازن الأمور ، ثم لما صلت حنة ببكاء ومرارة ، إستجاب الله لها وأعطاها النسل ( 1 صم 1 : 5 ، 6 ) .
3 ــ ونفس الأمر حدث مع راحيل المحبوبة ، إذ منع الله عنها النسل ، وأعطاه لليئة المكروهة ، ثم ــــ في الوقت المناسب ــــ إفتقدها الله وأعطاها النسل ( تك 29 : 31 ، 30 : 22 ) .


l إذن ، ليست المشيئة البشرية ولا القدرة البشرية ، هي صاحبة السلطان على خلق الجنين ، بل إنها مجرد جزء من نظام عظيم يتحكم الله في كل جزيئاته ، فإن الله هو الخالق الوحيد ، وهو خالق الجنين في بطن أمه .


((( ملحوظة ( 6 ) : - الإنجيل يذكر نوعا آخر من الولادة ، وهو " الميلاد الثاني " ، أي الولادة من الروح القدس في المعمودية ، وهي شيء مختلف تماما وليس له أي علاقة نهائيا بقوانين التوالد الجسدية ، بل إن له نظامه وقوانينه الخاصة ، وعن ذلك يقول الإنجيل : [ وأما كل الذين قبلوه ، فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله ، أي المؤمنين بإسمه ، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل ، بل من الله ] يو 1 : 12 ، 13 . l أي أنها ولادة ذات طبيعة مختلفة تماما عن الولادة الجسدية ، وبالتالي فإنها لا تستدعي عودة الإنسان لبطن أمه لكي يولد ثانية ــــ مثلما إعتقد نيقوديموس . يو 3 : 4 ـــ بل إنها تتم بمعجزة إلهية لا دخل للبشر فيها نهائيا ، ولذلك فإنها تسمى سر الميلاد الثاني أو سر المعمودية . l كما أن عدم وجود علاقة لها مع الولادة الجسدية ، تعني أنها لا تورث من الوالدين للأبناء ، حتى لو كان الإنسان جنينا في بطن أمه أثناء تعميدها . بل يجب أن ينالها كل إنسان بمفرده بدون أي علاقة مع حالة والديه . وهذا هو ما تفعله الكنيسة الأرثوذكسية فعلاً . l وهي لا تستبدل روح الإنسان بروح أخرى غريبة ودخيلة عليه ، بل إنها تشفي روحه من مرض الخطية وتشوهاتها ، وتعيد تجديدها ، وهو ما يمكن تشبيهه بشفاء نعمان السرياني ( 2 مل 5 : 14 ) ، فتعود إلى حالتها الأصلية النقية المنيرة التي خلقها الله عليها قبل سقوط آدم ، ولذلك فإنها تعتبر تجديد لخلقتها ، إذ تجعلها خليقة جديدة ( 2 كو 5 : 17 ) وهي تمنح نعمة روح التبني وثبات موهبة الروح القدس ( يو 1 : 6 ، رو 8 : 15 ) . )))


3 -- الله هو الذي يعطي للجنين الصفات العامة :-
l فهو الذي يخلق الجنين البشري حاملا لكل الخصائص البشرية ، جسدا وروحا بشريين معا ، إذ أن الله هو : [ جابل روح الإنسان في داخله ] زك 12 ك 1 l ومما يؤكد ذلك : -
(1) يقول رب المجد : [ أليس الذي صنع الخارج ( أي الجسد ) صنع الداخل ( أي الروح) أيضا ] لو 11 : 45 . إذن فإنه هو الذي يخلق الإنسان بكل عناصر تكوينه ، خارجا وداخلا ، هو خالق الجسد والروح معا .
(2) كان يوحنا المعمدان جنينا في بطن أمه أليصابات ، ولكنه ـــ مع ذلك ــــ إبتهج بسماع صوت سلام السيدة العذراء ، حتى أنه تحرك بإبتهاج ، والذي يشهد بذلك هو الروح القدس : [ فإمتلأت أليصابات من الروح القدس ، وصرخت بصوت عظيم وقالت . . . . . من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلى ، فهو ذا حين صار صوت سلامك في أذني ، إرتكض الجنين بإبتهاج في بطني ] لو 1 : 41 ــــ 44 .
l إذن فإن الجنين في بطن أمه هو إنسان جسداً وروحا ، حتى أن الإنجيل يقول عن يوحنا المعمدان أنه قد إمتلأ من الروح القدس منذ أن كان في بطن أمه [ومن بطن أمه يمتلأ من الروح القدس ] لو 1 : 15 .
l ولذلك فإن الكنيسة الأرثوذكسية ـــ صاحبة الفهم العميق للأمور الإلهية ـــ تحرم الإجهاض لأنه قتل لإنسان فعلا .
4 -- الله هو الذي يعطي للجنين مواصفاته الخاصة : -
1- الله هو الذي أعطى لشمشون ـــ من بطن أمه ـــ صفة النذير لله : [ يكون نذيرا لله من البطن ] قض 13 : 5 .
2- و أعطى المواهب الروحية ليوحنا المعمدان من بطن أمه ، فإمتلأ من الروح القدس ( لو 1 : 15 ) لكي يتأهل لأن يصبح السابق أمام المسيح ، لتهيئة الشعب بالتوبة ، لإستقبال المسيح . وكلمة السابق تعني الذي يتقدم أمام موكب الملك ضاربا بالبوق العظيم لتجميع وإعداد الشعب لاستقبال الملك .
3- كما أعطى بولس الرسول المواهب اللازمة لإعداده للخدمة الرسولية : [ الله الذي أفرزني من بطن أمي ودعاني بنعمته ] غل 1 : 15 .
4- وهو الذي إختار يعقوب ـــ من بطن أمه ـــ ليكون أب الأباء الذي منه يأتي المسيح ( رو 9 : 8 ــــ 12)
((( ملحوظة ( 7 ) هناك فارق بين إختيار الله للبعض ليمنحهم مواهب خصوصية لمسئوليات خاصة يؤهلهم لها ، وهو ما يشابه إختلاف الوزنات من واحد لآخر ، وبين أن يختار البعض للنعيم والبعض للجحيم ، فإن هذا الأمر الثاني لا يمكن أن يفعله الله القدوس العادل الذي ليس عنده لا ظلم ولا محاباة . وعن ذلك مكتوب أنه : [ يريد أن الجميع يخلصون ] 1 تي 2 : 4 . إذن فهو خلق الجميع بإرادة صالحة نحوهم جميعا ، إنه أعد فداءً كافيا لخلاص البشر أجمعين ، وأعد ملكوتاً سماوياً كافيا للبشر أجمعين ، ولكن البعض رفضوا بإرادتهم ، وليس أن الله أسقطهم في العصيان ، لأن : [ الله غير مجرب بالشرور ] يع 1 : 13 ، ولكن علم الله السابق الغير محدود لا يتعارض مع إرادته الصالحة الغير محدودة ، مثلما لا يتعارض عدله الغير محدود مع رحمته الغير محدودة ، لأنه هو الله الغير محدود الذي لا يشبهه أحد . )))
5--- ومن أهم الأمثلة على أن الله هو الذي يخلق الجنين بكل مواصفاته الشخصية ، حتى ما نظنه نواقصا فيها ـــ لأهداف إلهية عالية عن إدراكنا ، ولكنها مملوءة حكمة وصلاحا ودقة ـــ ما حدث في معجزة شفاء المولود أعمى ، إذ سألوا الرب عمن يكون السبب في ولادته هكذا ، فأجاب الرب : [ لا هذا أخطأ ولا أبواه ، لكن لتظهر أعمال الله فيه ] يو 9 : 13
l أي أن رب المجد ــــ الذي كل شيء به كان يو 1 : 3 ــــ هو الذي خلقه هكذا في بطن أمه ، منذ أربعين عاما ، من أجل أن يأتي اليوم الذي فيه سيجدد خلقة عيونه ، مستخدما التراب l فبذلك تظهر للناس أعمال الله فيه ، فيعرف الناس أن يسوع هو الله المتجسد لخلاص البشر l وهكذا ينتفع المولود أعمى منفعة مضاعفة ، تعويضا له عما قاساه من تعب في السنين السابقة ، إذ تنفتح عيونه الجسدية والروحية معاً ، فيؤمن ويخلص ، بل ويصير سببا لإيمان كثيرين ، فتتضاعف مكافأته السماوية .
l لقد تعب قليلا على الأرض ، ولمدة محدودة ، ولكنه حصل على أفراح عظيمة في السماء ، إلى الأبد l وذلك يذكرنا بلعازر المسكين ، الذي استوفى البلايا على الأرض ، فحصل على أفراح السماء الأبدية .


((( ملحوظة ( 8 ) l دقة وعدل وصلاح التدبير الإلهي التي ظهرت في خلق المولود أعمى ، ثم في شفائه ، تبرهن لنا على صلاح التدبير الإلهي في كل أمور الحياة ، بما في ذلك ما نظنه عيوباً خلقية ، لذلك يجب الإيمان بحكمة وعدل وصلاح الله ، وأنه لا يمكن أن يخطئ في أي شيء أبدا ، بل إنه : [ رتب كل شيء بمقدار وعدد ووزن ] حك 11 : 21 ، أي من جميع النواحي معا . l ولأن عقولنا قاصرة عن إدراك حكمته ومقاصده البعيدة : [ ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء ] رو 11 : 33 ، لذلك يجب أن نصبر على ما لا نفهمه الآن فقد نفهمه فيما بعد ، مثلما في سبب ولادة هذا المولود أعمى هكذا ، وكذلك مثلما قال لبطرس : [ ستفهم فيما بعد ] يو 14 : 7 ● وحتى إن لم يكشف لنا الرب عن الأسباب ، فيجب أن نتمسك بالإيمان بصلاح الله وحكمته ، وأنه هو الحق المطلق الذي ليس فيه خطأ ، لأنه هو القدوس الذي بلا عيب ●ولنحترس جدا ، لأن إبليس عدونا ينصب فخاخا كثيرة ليشككنا في صلاح الله ، مثلما فعل مع أبوينا الأولين .l ومن حكمة الله الفائقة للعقول ، أنه يعطي لخليقته درجات مختلفة من الإمكانيات والمواهب ، لكي تحتاج إلى بعضها ولكي يخدم بعضها بعضا ( جا 5 : 9 ) . إنه مبدأ الاحتياج المتبادل ( 2 كو 8 : 14 ) ●وهو يخلق من نفس الطينة الواحدة ، آنية كرامة وآنية هوان ، ففي نفس العشيرة الواحدة نجد الأذكياء جدا والأقل ذكاء ، والأقوياء جدا ، والضعفاء . بل وفي نفس الجسد الواحد ، نجد أعضاء تستحوذ على الكرامة والاهتمام ، وأعضاء أخرى لا تنال لا كرامة ولا إهتمام ، ولكنها جميعا ضرورية جدا، ولا يمكن للجسد أن يستغني عن أي منها . ● فإن الله خلق الخليقة على مبدأ التكامل والاحتياج المتبادل ، فأصحاب الذكاء المبدع يعجزون عن العمل الروتيني لكسب لقمة العيش ، بينما أصحاب الذكاء الروتيني ينتظمون بهدوء في العمل الروتيني ، فيملأون الحياة طعاما وخيراً ، ولكنهم يعجزون عن تطوير وسائلهم وحياتهم ، وهكذا يتكامل الفريقان . l ومثلما أن الله يضع إمكانيات جسدية وعقلية مختلفة في الناس ، لخدمة بعضهم بعضا ، فكذلك أيضا يضع في بعض الناس ــــ مثل الرسل القديسين والأنبياء والسواح القديسين . . . . الخ ـــ طاقات روحية أكثر من غيرهم ، لخدمة الآخرين بها.
●ولكن الإنسان العادى ، بالصبر فى التدريب والاجتهاد ، يقدر أن يتفوق على أصحاب الإمكانيات الخاصة ، إن تكاسلوا ● كذلك أيضا الإنسان العادى ، بصبره فى الجهاد الروحى ، يقدر أن يجعل من نفسه آنية كرامة روحية ، فيصير صالحاً لخدمة الله ، لذلك مكتوب :[ فإن طهر أحد نفسه من هذه ( أى من الخطية ) يكون إناء للكرامة ، مقدساً ، نافعاً للسيد ، مستعداً لكل عمل صالح ] 2 تى 2 :21 . ●بينما أصحاب الطاقات الروحية الكبيرة ، قد ينحرفون مثلما أنحرف الشيطان بالرغم من طاقاته الروحية العظيمة ، أو قد يتكاسلون مثل أصحاب الوزنات المدفونة ●وفى جميع الأحوال ، فإن العدل الإلهى يجعل حساب أصحاب المواهب أو الوزنات ، الأكثر ، اشد من حساب أصحاب المواهب ــــ الوزنات ـــ الأقل :- [ من يعطى كثيراً يطلب منه كثير . ومن يودعونه كثيراً يطالبونه بأكثر ] لو 12: 48 .)))





+++++++++++++++++++++++++



الرد الثالث

الروح السامية هى سبب كرامة الإنسان



1 --- الإنسان أفضل من كل الكائنات الأرضية :


. يقول الرب : [ كم أنتـم أفضـل مـن الطيـور ] لـو 12: 24 ، [ كم أنتــم أفضـل من عصافير كثيرة ] مت 10 :31
● وأيضا النباتات: (مت 6: 30) ●وأيضا : [ فالإنسان كم هو أفضل من الخروف ] مت 12 : 12 ●وفى معجزة إنقاذ الرب لإنسان واحد ، بإخراج الأرواح الشريرة ـــ أى الشياطين ــ منه ، سمح لهم الرب بالدخول فى آلاف الخنازير ، فهلكوا جميعاً (مر 5 : 1-15 )
l إذن ، الإنسان أهم عند الله من كل الكائنات الأرضية بلا استثناء.
●وهى أفضلية مطلقة ، إلى درجة أن الله بذلها له جميعاً ، فقد أباح له أن يذبح ويأكل من كل الأحياء بلا استثناء واحد ، إذ قال لنوح [ كل دابة حية تكون لكم طعاماً كالعشب الأخضر . دفعت إليكم الجميع ] تك 9 : 3 ، وذلك لأن هذه الكائنات الأعجمية هى مخلوقة أصلاً للذبح والصيد والفناء (2 بط 2 : 12)


((( ملحوظة 9 – بالإضافة للمذكور فى ملاحظة 3 صـفحة 12 . الخ : ، وضع الله فى ناموس موسى أثقالا على اليهود ـــ لم تكن موجودة أصلاً منذ أيام نوح ـــــ ومنها تحريم بعض الأطعمة من الحيوانات والطيور والأسماك ، واعتبارها نجسة ، ولكن الرب أعفانا من كل أثقال الفرائض الناموسية القديمة ، فقد صالحنا بصليبه (كو 2: 14 ،20) ومن ذلك أنه أعاد شريعة الأطعمة إلى أصلها الطبيعى الذى كان منذ أيام نوح تك 9 :3 ●ومما يؤكد أن منع الله لليهود عن أكل بعض الأطعمة ، كان أثقالاً تأدبية ، وليس بسبب أن هذه الأطعمة دنسة بطبيعتها ، أو أنها قادرة على تدنيس الإنسان ، مما يؤكد ذلك ، نذكر شيئين : أولاً : تعليم الرب ، إذ قال :[ ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان ] مت 15 :11 ، وأيضاً [ كل ما يدخل الإنسان من خارج لا يقدر أن ينجسه ، لأنه لا يدخل إلى قلبه ، بل إلى الجوف ، ثم يخرج إلى الخلاء . . . ، الذى يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان ، لأنه من الداخل ، من قلوب الناس ، تخرج الأفكار الشريرة . . . . وتنجس الإنسان ] مر 7 : 18-23 . وهو تعليم واضح لا يقبل التأويلات . ثانياً: أعلن الرب لبطرس الرسول عن نفس التعليم من خلال رؤيا ( أع 10 :12 ،13) ، ومع أن هذه الرؤيا كانت وسيلة لهدف أشمل وأعم ، وهو إبطال النظرة اليهودية إلى الأمميين باعتبارهم أنجاساً ، إلا أن وسائل وأهداف الرب جميعاً هى دائماً مقدسة وصالحة وصحيحة ، الوسيلة الصحيحة للهدف الصحيح ، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة ، فليس فى تعاليم وأمثال الرب أى ضلالات ، بل إنها كلها حق ، فى وسيلتها وفى غايتها ، لأنه هو : [ الحق ] ●فإنه بهذه الرؤيا قد أبطل النظرة اليهودية إلى الأطعمة ، وإلى الأممين ، معاً ، لأن زمان أثقال التأديب قد انتهى ، فقد قال الرب لبطرس أن يذبح ويأكل من كل ما فى الأرض بلا استثناء ، مثلما كان قد أحل ــــ لنوح ــــ الأكل من كل دبابات الأرض بلا استثناء ( تك 9: 3). . في العهد القديم ، أعطى الله وصايا تتناسب مع مستوى الطبيعة الساقطة للبشر .ولكنه في العهد الجديد رفع مستوى الطبيعة البشرية ذاتها ، بالتجديد بالميلاد الثاني ، ولذلك رفع ـــ أيضاً ـــ مستوى الشريعة ، فأصبحت شريعة الكمال . فمثلاً ، في العهد القديم كانت الشريعة هي : [ لا تزن ] ، فرفع مستواها في شريعة الكمال فأصبحت : [ كل من نظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه ] . وفي العهد القديم كانت الشريعة : [ لا تقتل ] ، فأصبحت في شريعة الكمال : [ كل من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم ] . في العهد القديم أوصى الله بمحبة القريب فقط : [ تحب قريبك] و [ لا تشهد على قريبك شهادة زور . لا تشتهي بيت قريبك ] ، ولكنه في شريعة الكمال يقول : [ أحبوا أعداءكم ] . كما كان الله قد أباح تعدد الزوجات ، لقساوة قلوب الناس في العهد القديم ، ولكنه حرمه في شريعة الكمال ، لأن أصل خلقة الإنسان هي حواء واحدة لآدم واحد ألى آخر العمر . كما كان قد أباح الطلاق لكل سبب ، لقساوة قلوبهم ، ولكنه حرمه في شريعة الكمال إلا لعلة الزنا ..وأيضاً في العهد القديم ، كان الله قد وضع أثقالاً تأديبية ، مثل التطهيرات الجسدية المتزمتة ، ومثل القيود الغير مبررة على بعض الأطعمة ، ومثل تقييد الحركة في يوم السبت ، إلى درجة قتل من يحمل حطباً ، أما في عهد المصالحة والنعمة ، فقد أزال الرب عنا كل هذه الأثقال جميعاً ، فمثلاً ، قال عن السبت : أنه جعل لخدمة وراحة الإنسان وليس لكي يصبح الإنسان عبداً ليوم السبت : [ السبت جعل للإنسان ، لا الإنسان لأجل السبت ] مر 2 : 27 ، فإن الأصل في وضع الله لشريعة السبت هو أن يرتاح الناس يوماً بعد عناء العمل لستة أيام ، وقد أعطى الله نفسه مثالاً لهم ، في خلقته العالم في ستة أيام ثم راحته في السابع . ولكن الله عندما قال ذلك لم يكن يعني أنه أصيب بالإعياء من العمل في ستة أيام حتى أنه إحتاج إلى الراحة في السابع ، بل قال ذلك ليحث الناس على الحصول على يوم من الراحة ، لهم وللأجير المسكين المرهق .وأما الله فإنه لا يتوقف عن العمل أبداً ، حتى في يوم السبت : [ أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ] يو 5 : 17 . قال ذلك عن يوم السبت .إذن فشريعة السبت ـــ في أصلها قبل الأثقال ـــ كانت لراحة الإنسان وليس لتكون ثقلاً مربوطاً في رقبته ولا سيفاً مسلطاً عليه . )))



● نعود إلى موضوعنا . فقد أباح الله للإنسان ذبح وأكل جميع الكائنات الأرضية بلا استثناء ، لأنها مخلوقة لذلك .
●وأما فيما يختص بالإنسان ، فقد أستطرد الله ـــ بعد تحليل ذبح واكل جميع الأحياء الأرضية ـــ وحرم ليس فقط ذبحه وأكله ، بل وأيضا حرم قتله أو إيذاءه بأى أذية ، إذ قال :[ سافك دم الإنسان ، بالإنسان يسفك دمه ، لأن الله على صورته عمل الإنسان ] تك 9: 6 ● أى أن السبب الوحيد فى تحريم قتل الإنسان ، هو أنه مخلوق على صورة الله ، بتلك الخلقة المتميزة التى سبق وأوضحناها.

●ونلاحظ أن كلام الله لم يتطرق مطلقاً إلى إمكانية إباحة أو عدم إباحة ذبح وأكل الإنسان ، لأنه أمر لا يصح ولا حتى مجرد الكلام فيه ، بسبب سمو مكانة ذلك المخلوق على صورة الله .
● ولو كان الإنسان والبهيمة سواء بسواء ـــ كما يدعون ـــ لكان ذبح وأكل البشر هو أمر عادي ، على الأقل قبل شريعة الظلف المشقوق .
● ولكن الشيطان دائماً يقاوم مشيئة الله ، لذلك فإنه يحاول أن يخدع الناس ببدعة تساويهم مع البهائم ، ومع الأسف فإنه يجد من يقبلون خداعه.

● الشيطان يدفع الناس عن موسوعة غرائب
من العالم
لذبح الناس : ـــ وليد ناصيف ــ دمشق . صورة فوتوغرافية من البنجال ــــــ دار الكتاب العربي .
بقرب كلكوتا الهندية .
. الرجل يحمل رأس طفل ،مقطوعة
لعبادة إلآهتهم " سيفا " ، إلآهة الموت
ذات الأذرع الأربعة .
. وهو ما تفعله أيضاً ـــ حالياً ـــ
جماعات عبدة الشيطان .

● إذن فإن الكرامة العظيمة التى أعطاها الله للإنسان ، هى بسبب خلقته على صورة الله ، وأنه بهذه الخليقة يتميز عن كل الأحياء الأرضية.
2 الإنسان قريب من الملائكة
●ومن الجهة الأخرى ، فعند المقارنة بين الإنسان وبين الملائكة ، نجد أنه مكتوب عنه : [ تنقصه قليلاً عن الملائكة ] مز 8 : 5.
●ونلاحظ أن الله أنقص الإنسان قليلا ـــ فقط ـــ عن الملائكة ، بينما جعله أفضل كثيراً جداً ، من كل الأحياء الأرضية . أي أن الإنسان فى مستوى منخفض قليلاً فقط عن الملائكة ، ولكنه عال جداً عن كل الأحياء الأرضية.
●والسبب فى ذلك هو وجود عامل مشترك ، ثمين القيمة جداً ، بين البشر والملائكة ، وهو أنهما كليهما مخلوقان بواسطة النسمة الإلهية ( تك 2 :7 ، مز 33: 6) . ( للمزيد راجع الخلقة المتميزة صفحات10 ، 11 ) .
●وأما عن نقصان الإنسان قليلاً عن الملائكة ، فإنه بسبب أنه روح سامية ساكنة فى جسد ترابى وضيع الشأن والقيمة ، بينما الملائكة هم أرواح سامية خالصة لا علاقة لها نهائياً بالمادة الترابية.
((( ملحوظة 10 : - وهذا الفارق بين البشر والملائكة ، سيزول عند خروج أرواح القديسين من الجسد ، حتى أن الملائكة ستحملهم إلى السماء ( لو 16 : 22) ● كما أن ترابية الجسد نفسه ستتغير فى القيامة، إذ ستقوم أجساد البشر جميعاً فى حالة لا مادية روحية،وحينئذ سيصبح الإنسان كله – جسداً وروحاً – مثل الملائكة: [ كملائكة الله فى السماء]مت 22 :30 ●أو بالعكس ، سيصبح كله مثل الشياطين ويطرح معهم فى جهنم النار الأبدية روء14 :11 ، 20:10)))

3 الفهم الروحى له القيمة العظمى عند الله
● يقول الله بفم حكمته الإلهية : [ لذاتى مع بنى آدم ] أم 31:8 ، ذلك لأن فى الإنسان تفهماً وتعقلاً للوصية الإلهية ولكلام الله ، كما أن لديه رغبة دائمة لطلب المعرفة والحكمة ، بل إن الإنسان – أيضاً – يتلذذ بالله : [ تلذذ بالرب ] مز 4:37 ، وأيضاً يتلذذ بحكمة الله : [ إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك ] أم 10:2 ، كما أنه يتلذذ بالوصية الإلهية : [ أما وصاياك فهى لذاتى ] مز 143:119.
● وكل ما سبق ، لا يمكن الوصول إليه إلاَ بالفهم الروحانى : [ أن تمتلئوا من معرفة مشيئته ، فى كل حكمة وفهم روحى ] كو 9:1 ، وليس بالفهم الجسدانى المحصور فى الماديات من أكل وجنس …. الخ
● وإن إلغاء الفهم الروحى الثمين ، والسقوط إلى العقل الحيوانى المجَرد ، كان عقوبة إلهية على نبوخذ نصر ، بسبب تكبر روحه : [ ليتغير قلبه عن الإنسانية ، وليعط قلب حيوان ] دا 16:4 . ثم بعد فترة العقوبة ، أرجع إليه عقله وفهمه الإنسانى السامى ، فتواضع وعظَم ومجَد الله (36:4) .
● والشيطان يحاول أن يعمى العقول الروحية للبشر ، لئلا يفهموا ويؤمنوا : [ إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين ، لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح ] 2 كو 4:4.
● بالفهم الروحى عرف أبونا إبراهيم أن الله القدوس لا يمكن أن يظلم أحداً ، ففاوضه لكى لا يحرق سدوم ، ثم اقتنع بعدل الله ، وصمت أمام عظمة قداسته ( تك 22:18 – 32 ) .
● بالفهم الروحى عرف أيوب الصديق أن الله مستقيم لا يقبل المراءاة ، حتى أنه عاتبه على ما هو فيه من آلام ، وقد تقبل الله منه عتابه المرير ، بكل أناة ولطف ، وأوضح له سمو حكمته الفائقة ، فتواضع أيوب وخجل أمام لطف ومحبة الله ، واعتذر عما نطق به .
● بالفهم الروحى اتكل القديسون على قوة الله الغير منظور ، وليس على القوى المادية والبشرية ، مثلما هو مكتوب : - [ لا تتكلوا على الرؤساء ولا على ابن آدم حيث لا خلاص عنده ، تخرج روحه فيعود إلى ترابه . فى ذلك اليوم نفسه تهلك أفكاره ] مز 3:146 ، 4 . لأن التدابير البشرية الجسدانية ستفنى مع فناء الجسد ( يع 13:4 ، 14 ) وأما التدابير الروحية المقدسة ، فتدوم : [ مقيم كلمة عبده ، ومتمم رأى رسله ] أش 26:44 ، لأن : [ الذى يصنع مشيئة الله يثبت إلى الأبد ] ايو 17:2.
● وعلى هذا المبدأ ، مبدأ عدم الاتكال على الرؤساء ، سار آباؤنا البطاركة القديسون ، فرفضوا معاهدات الحماية من الملوك والأباطرة ، الذين سيموتون حتماً وتنتهى معاهداتهم معهم ، مفضلين الاتكال على الله وحده ، مثلما فعل البابا بطرس الجاولى ، فى القرن التاسع عشر ، عندما رفض عرضاً من قيصر روسيا بحماية الأقباط .
● بالفهم الروحى نحب الله الغير منظور : [ أحبك يا رب يا قوتى ] مز 1:18 ، حتى نصل إلى درجة الاكتفاء به وحده : [ معك لا أريد شيئاً على الأرض ] مز 25:73.
● بالفهم الروحى نحتقر الماديات ونمجد الأمور الإلهية الغير منظورة : [ خسرت كل الأشياء ، وأنا أحسبها نفاية ، لكى أربح المسيح ] فى 8:3 .
● بالفهم الروحى نفهم كلام الله الروحانى ، لذلك فإن رب المجد فتح ذهن التلاميذ ليفهموا الكتب ( لو 45:24 ) ● بينما الشيطان يحاول طمس العيون الروحية للناس : [ إله هذا الدهر ( أى الشيطان ) قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضئ لهم إنارة إنجيل مجد المسيح ] 2 كو 4:4 .
● بالفهم الروحى نفهم الأمور الإلهية ، فنعرف مشيئة الله : [ أن تمتلئوا من معرفة مشيئته ، فى كل حكمة وفهم روحى ] كو 9:1 .
vولا يمكن وجود الفهم الروحى بدون وجود الروح ذاتها كما أنه لا يمكن وجود الفهم الجسدانى بدون الجسد ذاته . ● ولكن الفهم الروحى قد يكون روحياً مقدساً ملتصقاً بالله ، فيكون فهما مستنيراً سامياً مقدساً ملائكياً ، وقد يكون روحياً شريراً ، ملتصقاً بالشيطان ، فيكون فهماً مظلماً خبيثاً شريراً شيطانياً .
● وعن العلاقة بين الفهم الروحى ـــ فى صورته الحقيقية النورانية ـــ وبين الروح ، مكتوب : [ فى الناس روحاً ونسمة القدير تعقلهم ] أى 8:32 . ، أى أن النسمة الإلهية التى نفخها الله فى الإنسان ، هى التى منحتهم الروح والفهم الروحى . الذى هو أسمى جداً من الفهم الجسدانى .
((( ملحوظة (11) : كل الكائنات الحية الأرضية ، من حيوان وطير وسمك ونبات ، وحتى الحشرات والميكروبات ، لها مقادير من الفهم الجسدانى اللازم لحفظ نوعها وبقاء حياتها ، فإنها جميعاً تدرك ما يحدث حولها وتتصرف لمواجهته ، بعقلية غريزية محدودة ، فحتى النبات يتصرف بفهم ، فتبحث جذوره عن مصدر الماء وتبحث أغصانه عن مصدر الضوء ، بل وحتى الميكروبات تستطيع أن تتصرف بفهم ، فهى تشعر بوجود المضادات الحيوية ، وتطور مقاومتها لها ، حتى تتغلب عليها ))) .
● والفهم الروحى السامى ، القادر على الفهم والتأمل فى الروحيات والإلهيات ، هو السبب فى أن الحكمة الإلهية إختصت البشر وحدهم ــــ دون باقى الأحياء الأرضية ـــ بالقول : [ لذاتى مع بنى آدم ] أم 31:8 .
● والفهم الروحانى المقدس النورانى – كما خلقه الله – هو الذى يقود للسلوك الروحانى السامى ، فتصبح للإنسان نظرة روحية إلى كل ما فى الوجود ، فيفهم الهدف الإلهى من خلقه كل ما فى الوجود ، ويمجد الله فى كل ما يراه ، فتصبح له نظرة طاهرة ويصبح كل شئ طاهراً له ( تى 5:1 )
●ولكن الفهم الروحانى قد يسقط من القداسة والنورانية إلى الشر والظلمة – كالشياطين – فيصبح فهماً شيطانياً وتتحول روحانيته إلى الروحانية الشيطانية ، إذ يصبح على صورة الشيطان كشبهه ، وليس على صورة الله كشبهه . فيفقد الإنسان النظرة الروحية المقدسة وتصبح له نظرة شيطانية ، تبحث عن التمرد والعصيان على وصايا الله ، وتقبح كل أعمال الله فى خليقته ، وتنحرف بكل شئ عن طبيعته التى خلقها الله عليه ، فتنظر إلى كل شئ بطريقة شاذة منحرفة ، فتصبح الدنيا كلها – بالنسبة إليهم – نجاسات وتذمرات وأحقاد وعداوات : [ قد تنجس ذهنهم أيضاً وضميرهم ] تى 15:1 .
● لقد خلق الله أرواح البشر طاهرة كالملائكة ، ولكنها معرضة للسقوط فى الأدناس ( 2 كو 1:7 ) ولا غرابة فى ذلك ، فإن الكثير من الملائكة أنفسهم ، وهم الأرواح السامية الخالصة ، قد سقطوا فى العصيان واصبحوا أرواحاً نجسة ، أى شياطيناً ( مر 5 : 12و13 ، روء16 :13و14 ، … إلخ ) .
●لذلك ، فإن الإنسان الخاطى يصير مأوى للشياطين (مت 12 :45 )لأنه يشبههم فى ظلاميتهم ، وهم يدفعونه أكثر وأكثر إلى مزيد من الشرور وظلمة الفكر ، حتى يصاب بالعمل الروحى الكامل ( 2كو 4: 4) ، فيستخدم طاقاته الروحية العظيمة فى خدمة الانحرافات من كل نوع ، فيصير إلى مستوى أحط من الحيوانات الأعجمية العديمة الفهم الروحى بطبيعتها (2بط2 :12 ، يه10)
●إذن ، فإن الفهم الروحى السامى ، إذا سقط من القداسة وطاعة الله ، يتحول إلى الروحانية الشيطانية: [ ليست هذه الحكمة نازلة من فوق ، بل هى أرضية نفسانية شيطانية] يع 3 :16 ●والسبب فى فقدان الفهم الروحى المقدس ، يوضحه لنا الرب ، إذ قال للأشرار: [ لماذا لا تفهمون كلامى … أنتم من أب هو إبليس ، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا … قتالاً … ليس فيه حق … كذاب وأبو الكذاب ] يو 8 :43،44 . وعن ذلك مكتوب أيضاً: [ الأشرار لا يفهمون الحق ] أم 28 :5
4 الجمال الروحي له القيمة العظمى عند الله
●جمال الخارج ، هو الجسد وما يتحلى به من زينات 0 وهو جمال كاذب يخدع السطحيين ، إلى أن يكتشفوا حقيقة ما بداخل الإنسان ، لذلك مكتوب : [ الحُسن غش والجمال باطل ] أم 31: 30 ●وعن أصحاب البهاء الخارجى مع السواد الداخلى ، قال الرب :- [ تشبهون قبوراً مبيضة، تظهر من خارج جميلة ، وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة ]مت 23: 27 ●ظلام القبور وعظام الأموات والنجاسات ، تعنى أن الروح البشرية التى بداخل هذا الجسد البهى ، هى فى حالة شديدة الخطية والظلمة ، التى بلغت حد العفونة الروحية ، وهى حالة : الموت الروحى ، فإن الموت الروحى لا يعنى تلاشى الروح ، بل يعنى ظلمتها وعفونتها بالخطية . إنها الحياة المعكوسة عن الطبيعة ( للمزيد : الرد الخامس صفحات 31 ، 33 )
●إن الكتاب المقدس يصف الإنسان بأنه مسكن ترابى تعيش بداخله الروح الإنسانية ( انظر : الرد السابع صفحات 51 إلخ ) ، ولكن الإنسان الخاطى يتحول إلى مقبرة تعيش بداخلها روح ميتة متعفنة مظلمة ، وعن ذلك يقول الرب : [ لك اسما أنك حى وأنت ميت ] روء 3: 1
●وهؤلاء الموتى روحياً ، يحتاجون إلى علاج حالتهم الروحية المتعفنة ، بدلاً من مضاعفة اهتمامهم بتجميل مظهرهم الخارجى فقط ، مثلما قال الرب: [ نق أولاً داخل الكأس والصحفة ، لكى يكون خارجهما أيضاً نقياً ] مت 23 : 26 ، لأن نقاء القلب ، أى الروح ، سيجعل نظرتنا إلى كل شىء ، روحية طاهرة ، فتصبح كل تصرفاتنا مقدسة .
●ولذلك فإن الإنجيل يحذر ، قائلاً : [ ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلى بالذهب والثياب ، بل إنسان القلب الخفى ( اى الروح) ، فى العديمة الفساد زينة الروح الوديع الهادئ ( حرفياً: فى العدم الفساد الذى للروح الوديع الهادئ ) ، الذى هو قدام الله كثير الثمن ] 1بط 3: 3،4 .((( ملحوظة (12) : الكلمة الأصلية ، المترجمة هنا بعدم الفساد ، هى فى الأصل تتضمن معنى عدم الفساد بالتعفن والتحلل ، أى عدم الموت والفناء . وهى نفسها مترجمة فعلاً فى آيات أخرى بمعنى عدم الفناء ، مثل: [ مجد الله الذى لا يفنى ] رو 1: 23 ، وأيضاً : [ ملك الدهور الذى لا يفنى ] 1تى 1: 7 . كما أن نفس هذه الكلمة الأصلية مترجمة ـــــ فى صيغة الإثبات ـــ بكلمة الخلود ، مثل : [ أنار الحياة والخلود ] 2تى 1: 10 .وأما عن الفساد الذى يكون بالخطية ، فلا يمكن القول بأن الروح هى عديمة الفساد بالخطية ، لأنها قابلة للسقوط : ( 2كو 7: 1 ) ، مثلها مثل الملائكة الذين سقطوا . )))
.إذن ، فإن القيمة العظمى فى نظر الله ، تنبع ليس من جمال الجسد الفانى ، بل من جمال الروح الخالد . بشرط أن يتحلى بالوداعة والهدوء . هذا هو الجمال الحقيقى الذى لا غش فيه.
.ولكن إذا تكبر الروح وتشامخ ، فإنه ـــ بالرغم من عدم فساده بالفناء ـــ فإنه يفسد بالخطية ، فيفقد جماله ، ويتحول إلى ظلمة وعفونة ( مت 23 :27 ) ، وحينئذ سيتساوى بالشيطان ، الذى بالرغم من أنه روح عديم الفساد بمعنى الفناء ، إلا أنه فاسد بسبب خطية العصيان ، ولذلك فقد جماله ونورانيته وأصبح كله ظلمة.
.وبسبب وجود احتمال لفساد الروح بالخطية ، يحذرنا الإنجيل قائلاً: [ لنطهر أنفسنا من كل دنس الجسد والروح ] 2كو 7 :1
5 عبادة الروح لها القيمة العظمى أمام الله
.عبادة الروح هى من نتائج الخلقة المتميزة ( انظر الرد الأول صفحة 15 )
.ومثلما أن الجمال الذى له القيمة العظمى أمام الله هو جمال الروح وليس الجسد ، فكذلك أيضاً العبادة ذات القيمة العظمى أمام الله هى عبادة الروح ، لذلك يقول : [ الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق ، لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين . الله روح والذين يسجدون له بالروح والحق ينبغى أن يسجدوا ] يو 4: 23 ، 24 .
.السجود لله هو أمر واجب ، فمن الطبيعى أن يسجد المخلوق لخالقه . ولكن الله يطلب أن يكون السجود بالروح والحق ، أى بروح مقدسة صادقة ، ليس بروح ملتوية غاشة.
.الله روح ، وهو يرى روح الإنسان ، ويعرف إن كان الروح يسجد خاشعاً مع سجود الجسد ، أم أنه يتشامخ متكبراً .
.ولكن ليس معنى السجود بالروح ، أن يمتنع الجسد عن السجود لله ، لا بل يجب أن يسجد الروح والجسد معاً ، وهكذا كان الرسل القديسون يفعلون (أع 21: 5) ، لأن آيات الكتاب المقدس تتكامل معاً.
((( ملحوظة (13) إننا نسجد الآن بدافع الطاعة والحب والشكر ، بينما المتكبرون يرفضون السجود لله الحقيقى مخلص وفادى البشر أجمعين . وأما فى المجىء الثانى فإن الكل سيسجدون له : المؤمنون بدافع الفرح المجيد ، والآخرون بدافع الرهبة من بهاء عظمته : [ لكى تجثو بإسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ( أى الملائكة وأرواح القديسين ) ، ومن على الأرض ( اى البشر الأحياء) ، ومن تحت الأرض ( = أقسام الأرض السفلى ، أى الشياطين وأرواح البشر الأشرار ) ] فى 2: 10 ، ومكتوب ايضاً : [ أنا حى ، يقول الرب ، إنـــــــه لــــى ستجـــــــــــــثــو كـــــــل ركـــــــــــــــــــــبة ] رو 14 : 11) .)))







الرد الرابع



الأرواح السامية لا تشيخ ولا تموت
.تتميز الملائكة ، وكذلك أرواح البشر ، عن كل الأحياء الأرضية المادية فقط ، بأنها تحمل عناصر مشابهة مع الله ، مع فارق المحدود عن الغير المحدود
· فإنها على صورة الله فى الروحانية والنورانية والقداسة والخلود
· وبالتالى فإنها توصف بصفة البنوة لله ، بالمشابهة والتبنى وليس بالجوهر .
· كما يشتركون فى أنهم مخلوقون بالنسمة الإلهية الخارجة من فمه القدوس
.كما يشتركون فى أن إستمراريتهم فى النورانية ـــ وبالتالى فى التبنى لله ــــ هو مشروط بشرط ثباتهم فى القداسة وفى طاعة الله .فإن سقطوا من الطاعة ، سقطوا من النورانية ، وسقطوا ـــ بالتالى ـــ من البنوة لله ، بل تصبح الملائكة شياطيناً ، ويصبح البشر أبناء لإبليس ( راجع الرد الأول ــــ صفحات 4 - 9 )
l والملائكة مخلوقون منذ بدء الخليقة ، منذ خلقة السموات فى اليوم الأول للخليقة ( تك 1: 1، مز33 :6 )
. فهل ـــ بعد ملايين السنين ــ شاخت الملائكة أو ماتوا ؟؟ هل شاخ رؤساء الملائكة ميخائيل وجبرائيل ؟ ، بل وحتى الملاك الساقط إبليس ، هل شاخ أو مات بعد عصيانه لله ، أم أنه ــ فقط ــ تحول من ملاك نور إلى شيطان ظلمة !! أى أنه ــ فقط ــ فقد نورانيته ، لكنه لم يفقد وجوده الحى وإحساسه ، بل ولا حتى قدراته وإمكانياته ( مثلما أن الإنسان ـــ إذا كفر ـــ لا يفقد إمكانياته ) .
.إنهم جميعاً ـــــ ملائكة وشياطيناً ــــ لم يشيخوا ولم يموتوا ، بل إنهم أحياء فى منتهى قوتهم التى وضعها الله فيهم منذ أن خلقهم ، منذ ملايين السنين ، مع فارق وحيد ، وهو نوعية الحياة ، فالملائكة يعيشون حياة حقيقية صحيحة مملوءة نوراً وفرحاً وحباً وخيراً ، بينما الشياطين يعيشون حياة معكوسة مملوءة ظلاماً وحقداً وشراً ، اى حياة الظلمة والموت الروحى ( رؤ 3 :1 ). ( للمزيد عن الموت الروحى : صفحات 31 - 33 )
.إذن فإن الله خلق الأرواح السامية النورانية ، على مبدأ عدم الشيخوخة وبالتالى عدم الفناء ، أى الخلود ( للمزيد عن الخلود : صفحات 5 ، ملحوظة 12 صفحة 24 )
.والكتاب المقدس يؤكد على حقيقة استمرارية حياة أرواح البشر وعدم فنائها ، أى الخلود ، بتأكيدات كثيرة ، مثل :-
1 ظهور موسى النبى وإيليا النبى على جبل التجلى :
.فقد ظهرا يتكلمان مع رب المجد ، أمام تلاميذه : [ وإذا رجلان يتكلمان معه ، وهما موسى وإيليا ، اللذان ظهرا بمجد ، وتكلما عن خروجه ] لو 9: 30و31.
.مع أن موسى النبى مات ودفن منذ آلاف السنين ( تث 34: 5)
.وقد ظهر القديسان موسى وإيليا ، فى كامل الوعى والإحساس ، بعد كل هذه الآلاف من السنين
.بل وكانا محتفظين بموهبة النبوة ، مثلما كانا على الأرض ، إذ كانا يتحدثان عن خروجه ، أى عن أحداث موت الصليب وخروج الروح البشرية من الجسد ، ثم القيامة .
.وقد يقال أن إيليا النبى قد أختطف بالجسد ـــ مثله مثل أخنوخ ـــ ولذلك فإنه يظهر بالجسد … ولكن ، مع أن الاختطاف هو سر غير معلوم للبشر ـــ ولا يمكن لأى أحد أن يدعى أنه يعرف كيف يحدث او كيف يعيشون فى السماء لأن الله لم يعرفنا بذلك ـــ إلا أن الموقف بالنسبة لموسى النبى هو امر مختلف ، لأنه مات ودفن مثله مثل كل البشر ، والكتاب المقدس يشهد بذلك : [ فمات هناك موسى … ودفنه فى الجواء فى ارض موآب ] تث 34: 5 .
.فما دام موسى النبى مات ودفن ـــ ولم يقل الكتاب المقدس أبداً انه قام من الأموات ـــ إذن فالذى ظهر يتحدث مع الرب على الجبل ليس هو الجسد الميت لموسى النبى ، بل روحه التى لم تموت.
.إن هذا الظهور هو برهان أكيد على أن الروح البشرية لا تتلاشى مع موت الجسد ودفنه ، بل تظل فى منتهى الحياة والوعى ، حاملة لكل مواهبها الروحية ( أنظر أيضاً الفقرة التالية عن ظهور روح صموئيل النبى) ، مثلها مثل الملائكة سواء بسواء وليس مثل البهائم سواء بسواء !!!
2 ظهور روح صموئيل النبى ( 1صم 28 )
.هذه الحادثة الأكيدة ـــ التى تستمد مصداقيتها من عمل الروح القدس فى الكتاب المقدس ـــ تعلن لنا عن أشياء فى منتهى الأهمية:-
.فبعد موت صموئيل النبى ، إحتاج إليه الملك شاول ليستشيره فى أمر هام ، فخالف وصية الله بعدم استشارة الموتى ( تث 18: 11) ، وإلتجأ إلى عرافة لكى تحضر له روح صموئيل النبى .فسمح الله بذلك ، لكي يدين شاول حضورياً ، وليعلن غضبه عليه وعقابه له ، وليكون درساً للبشر أجمعين .
.فحضر روح صموئيل النبى بنفس هيئته المعتادة المعروفة لشاول ، وتنبأ عليه قائلاً [ لماذا تسألنى والرب قد فارقك … غداً أنت وبنوك تكونون معى ] 1صم 28: 16: 19..وقد تحققت نبوءة صموئيل النبى فعلاً ، فقد مات وأبناؤه معه ، بعد ذلك مباشرة ، فى هجمة للأعداء
l والكتاب المقدس يسجل لنا هذه الحادثة لكى نتعلم أشياء هامة ، مثل :-
1- خطورة الالتجاء للعرافين ، مهما كانت الظروف ، لأن ذلك خطية عظيمة جداً ، تؤدى للعقاب الشديد.
2 - فى وقت الأزمة الشديدة ، لا يحق لنا أن نتهاون فى حفظ الوصية ، بل الأفضل لنا أن نخسر العالم كله ، بدلاً من خسارة نفوسنا ، لأن الله لن يقبل أى حجة ،لأنه يقول : [ كن أميناً إلى الموت ] روء 2: 10
3- أرواح البشر لا تتلاشى عند وفاتهم ، بل تظل فى منتهى الحياة والوعى والذاكرة بكل ما مضى
4 - كما تظل حاملة لكل صفاتهم الشخصية ولكل مواهبهم الروحية التى أنعم الله بها عليهم وهم فى الجسد ، مثلما ظل روح صموئيل النبى يتنبأ ، بعد فناء جسده ، وكذلك مثلما ظل روح موسى النبى يتنبأ ( الفقرة السابقة).
5 - كما أن الكتاب المقدس سجل لنا وصف طريقة مجىء صموئيل النبى ، بأنه صعد من الأرض (1صم28 : 13،14 ). لأن أرواح البشر جميعاً ـــ قبل الفداء الإلهى ــــ كانت فى :[ أقسام الأرض السفلى] . (أنظر : الرد الخامس . صفحات 34 - 37 ) .
6 - كما نلاحظ أن صموئيل النبى لم يقل لشاول أنه وبنيه سيموتون ويتلاشون ، بل قال له أنهم سيكونون معه ، أى أنهم سيذهبون إلى نفس المكان الذى يوجد فيه روح صموئيل النبى . فلا روحه تلاشت ، ولا أرواحهم ستتلاشى ، بل ستكون معه فى نفس المكان.
7 - الله حرم استشارة الموتى : [ لايوجد فيك … من يستشير الموتى ، لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب ] تث 18 : 10-12 .
· وتحريم الشىء هو دليل على إمكانية حدوثه ، وهذه الحادثة تؤكد أن استشارة الموتى ، أى أرواح الموتى ، هو أمر يمكن حدوثه ، ولكنه ـ مع ذلك ـ يظل محرماً ، ومن يخالف ذلك سينال العقاب الشديد ، وتحضير أرواح الموتى ، يدخل تحت هذا التحريم ، مهما أعطوه من أسماء حديثة ، وكل من يشارك فيه يناله العقاب الأكيد .
3 رد الرب على الصدوقيين :
.الصدوقيون هم جماعة هراطقة من اليهود ، كانوا ينكرون وجود أى صورة للحياة الروحية ، لا ملائكة ولا أرواح ولا قيامة موتى . فكانوا يعتبرون أن موت الإنسان مثل موت البهيمة سواء بسواء :-[ لأن الصدوقيين يقولون أن ليس قيامة ولا ملاك ولا روح ] أع 23: 6.
(( وبدعة إنكار خلود الروح هى بدعة قديمة جداً ، فقد ذكر سليمان الحكيم فى سفر الحكمة أن المنافقين يقولون : [ النسمة فى أنوفنا دخان … فإذا انطفأت عاد الجسد تراباً . وإنحل الروح كنسيم رقيق ، وزالت حياتنا واضمحلت ] حك 2 : 2،3 ، ثم يستطرد فيصف سبب ضلالهم : [ ضلوا لأن شرهم أعماهم، فلم يدركوا أسرار الله ] حك 2: 22. .وسفر الحكمة لسليمان الحكيم ، من الأسفار العجيبة فيما يمتلأ به من حكمة فائقة ورائعة ، وكذلك بما يحتويه من نبّوات عجيبة عن ألام المسيح وتعييرات معيريه ، ثم قيامته .))
.نعود لموضوع الصدوقيين ، فإنهم تقدموا إلى الرب بسؤال خبيث ، ظاهرهم البحث عن حل لمشكلة ستحدث فى يوم القيامة ( التى لا يؤمنون بها أصلاً) وباطنهم الاستهزاء والتهكم على العقائد الخاصة بعالم الروح كله . .فقد إخترعوا قصة امرأة يموت كل من يتزوجها ، حتى بلغوا سبعة أزواج ماتوا جميعاً ، ثم ماتت هى ، ففى القيامة ، لمن منهم ستكون زوجة . هذا هو السؤال الظاهرى.
.ولكن رب المجد حول سؤالهم الخبيث إلى فرصة لهم للتوبة ـــ إن أرادوا ـــ بأن أوضح إليهم الفهم المستقيم والعقيدة السليمة . إذ أجابهم إجابة شاملة ، ليس فقط عن هذه المرأة ، بل وأيضا عن كل ما فى عقولهم من هرطقات ، معاً:-
( 1 ) فأولا ، أبطل تفاخرهم بحفظ الأسفار ( أى الكتب ) ، إذ أعلن جهلهم بمعناها ، وعدم إدراكهم لأن الله قادر على فعل الأمور التى يتخيلوها مستحيلة : [ تضلون إذ لا تعرفون الكتب ( أى الأسفار ) ولا قوة الله ] . وهو بهذا يؤكد المكتوب فى سفر الحكمة 2 :22 ،
( 2 ) كما أبطل هرطقة الزواج فى القيامة : [ فى القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون ]
( 3 ) كما أكد على حقيقة وجود الملائكة : [ بل يكونون كملائكة الله فى السماء] ،
( 4 ) وأكد على عقيدة قيامة الأموات : [ وأما أن الموتى يقومون ، فقد دل عليه موسى فى أمر العليقة ، كما يقول : الرب إله إبراهيم واله اسحق وإله يعقوب . وليس هو إله أموات بل إله أحياء ]،
( 5 ) وفى الختام ، أكد على وجود الروح وأعطى القانون العام الشامل لجميع أرواح البشر : [ لأن الجميع عنده أحياء ] . (مت 22: 29،30 ، لو 20: 37و38).
4 سحابة الشهود القديسين
.يذكر الإنجيل ـــ فى رسالة بولس الرسول للعبرانيين ـــ أسماء القديسين الذين ماتوا قديماً ( عب 11: 4 – 39) ، ثم يصفهم بأنهم : [ سحابة من الشهود ، مقدار هذه محيطة بنا ]
.أى أن كنيسة المفديين ، فى السماء ، تحيط بكنيسة المجاهدين على الأرض ، إحاطة السحاب بالأرض .
· لأنهم ليسوا مجرد أحياء فقط ، بل إنهم ــ فوق ذلك ــ يشكلون سحابة عظيمة بهذا المقدار ، فيشاهدوننا ويتابعون جهادنا .
.بل إن الإنجيل يصفهم باعتبارهم حافزاً مشجعاً لنا فى مصارعتنا ضد الخطية ، إذ يستطرد ــ بعد ذكر أسمائهم مباشرة ـــ قائلاً : [ لذلك ، نحن أيضاً ، إذ لنا سحابة من الشهود ، مقدار هذه ، محيطة بنا ، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا ، بسهولة ] عب 12: 1
l إنهم جميعاً أحياء ، فاعلون ، يشاهدوننا ، مثلما قال الرب : [ الجميع عنده أحياء ] لو 20 :38
.وأرواح المفديين ، يشاهدوننا من السماء ، مثلما تشرف السحابة على الأرضيين .وكما أن السحابة ترسل الخير للأرض : ظلاً أو مطراً ، فهكذا أيضاً سحابة أرواح القديسين ترسل لنا معونة الصلاة ، لكى نهزم الخطية بسهولة ، مثلما كان موسى النبى يصلى فوق الجبل ، فينتصر الشعب المحارب على الأرض ( خر 17 :11).
5 سفر الرؤيا يشهد لحياة الشهداء
.سفر الرؤيا هو إعلان إلهى ، أعلنه الله للقديس يوحنا الرسول ليكون رسالة إلى العالم اجمع.
.وقد أراه الله أرواح الشهداء فى السماء : [ رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله ومن أجل الشهادة التى كانت عندهم ، وصرخوا بصوت عظيم قائلين : إلى متى أيها السيد القدوس والحق لا تنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض . فأعطوا ، كل واحد ، ثياباً بيضاً ، وقيل لهم أن يستريحوا زماناً يسيراً أيضاً ، حتى يكمل العبيد رفقاؤهم وأخوتهم العتيدين أن يقتلوا مثلهم ] روء 6: 9-11
.هذه الرؤيا ــــ كلها ــــ فى السماء ، وهذا المذبح هو فى السماء ، في هيكل الله أمام عرش الله (روء 8: 3)
.ونفوس الشهداء موجودة تحت المذبح ، ربما مثلما يكون خورس الشعب فى الكنيسة ـــ هنا على الأرض ـــ فى مستوى منخفض تحت مستوى المذبح .
.وهنا يعلن الله بكل وضوح أن نفوس الشهداء لم تفنى ولم تتلاشى مع موت وفناء الجسد .
.وهذا يتطابق مع تعليم الرب : [ الجميع عنده أحياء ] ، وأيضاً مع قوله : [ يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ] مت 10: 28
.وليس فقط أن الروح البشرية لا تفنى ، بل أيضا تظل فى كامل الوعى والإحساس ، فهاهم يذكرون ما حدث عند إستشهادهم ، ويطلبون من الرب سرعة الانتقام لدمائهم من قاتليهم ، بحسب وصيته : [ لا تنتقموا لأنفسكم … لى النقمة أنا أجازى ، يقول الرب ] رو 12: 19 ، لأن العدل الإلهى لن يسقط أبداً ( رؤ 19: 2)
.إننا نصلى من أجل مضطهدينا لكى يتوبوا ، ولكن حتى لو رفضوا التوبة وإستمروا فى قتلنا ، فإننا لن ننتقم لأنفسنا ، بل سنترك مسؤولية النقمة لله ، مثلما أمرنا هو .
. [ وقيل لهم أن يستريحوا … حتى يكمل العبيد رفقاؤهم ] ، أى أن الله يطلب من هؤلاء الشهداء ــ وأيضاً منا ــ ألا يتعجلوا الانتقام الإلهى ، بل ينتظروا مطمئنين مستريحين ، لأنه سيتم فى الوقت المحدد ، عند المجىء الثانى.
.وهذه الراحة هى فى الفردوس الذى شاهده بولس الرسول (2كو 12:2-4) .إنها الراحة النفسية والفرح والتعزية والطمأنينة ، فى منتهى الإحساس والوعى بكل ذلك .
.وهم سينتظرون – فى هذه الراحة ــ حتى يكمل الشهداء الباقين ، حسبما قرر الله بتدبيره وحكمته الفائقة.
.وهذا الانتظار هو دليل على أن الزمن الذى تتحدث عنه الرؤيا ، ليس هو زمن القيامة التى لن تقوم إلا بعدما يكمل الشهداء ، بل إنه زمن الدهر الحاضر . .بالإضافة لدليل آخر ، وهو أن الشهداء يطلبون النقمة الإلهية من : [ الساكنين على الأرض ] ، إذن ما يزال يوجد ساكنون على الأرض ، وسيستمر ذلك حتى يكمل الشهداء ويأتى المجىء الثانى والقيامة الثانية.
.أن هؤلاء المنتظرين للمجىء الثانى وللقيامة الثانية ، هم أصحاب القيامة الأولى :- من العهد القديم ومن العهد الجديد ، معاً ..فمن العهد القديم ، أصعد الرب أرواح القديسين من الجحيم إلى الفردوس ، عندما تم الفداء على الصليب ( للمزيد الرد السادس صـفحة 45 – 48 ) فكانت لهم هى القيامة الأولى .ومن العهد الجديد ، هم أصحاب الميلاد الثانى فى المعمودية المقدسة ، فإن المعمودية تمنحهم القيامة مع المسيح ( كو 2: 12 ) بشرط أن يحفظوا دعوتهم وإختيارهم ثابتين بالسلوك فى وصايا الرب ( 2بط1 :10 ، ايو2: 28).














الرد الخامس


ما هو موت الإنسان
· قال الله لآدم عن شجرة معرفة الخير والشر: [ يوم تأكل منها موتا تموت ] تك 2: 17
· ولكن ما هو موت الإنسان ؟
l الكتاب المقدس يطلق كلمة (( الموت )) ، على عدة أشياء بينهم علاقة وثيقة ، وهم :-
1 الموت الروحى:-
( 1 ) وهو ليس موتاً من نوع موت الأجساد التى يصيبها التعفن والتحلل والفناء ، بل إنه حالة معكوسة عن الحياة الروحية الطبيعية الحقيقية ..فبينما الحياة الروحية هى نور وحب وخير ، فإن الموت الروحى هو ظلمة وحقد وشر.
( 2 ) فالموت الروحى ليس تحللاً وتلاشياً ، بل إنه عفونة حية ، لذلك قال الرب عن الأشرار : [ تشبهون قبوراً مبيضة تظهر من خارج جميلة وهى من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة ] مت 23 :27 .
.الخارج والداخل هما الجسد والروح .فبالرغم من أن الخارج يظهر جميلاً متألقاً ، مملوءاً بمظاهر الحياة الجسدية والزينة الخارجية ، إلا أن الداخل ، أى الروح ، هو فى حالة موت وعفونة ، إنها حالة الموت الروحى ..وعن هذه الحالة ، يقول الرب : [ لك إسما أنك حى وأنت ميت ] رؤ 3: 1 ، فإن الموت المقصود هنا ، ليس هو موت الجسد بالتلاشى والفناء ، بل موت الروح ، بالظلمة وعفونة الخطية
( 3 ) الموت الروحى ينتج عن عصيان وصية الله ، مما يؤدى للانفصال عن الله مصدر الحياة الحقيقية ، مصدر النور والحب والخير ، مما يؤدى للسقوط فى الحياة المعكوسة ، الحياة الشيطانية ، حياة الظلمة والحقد والشر.
.وكلما ازداد الإنسان فى الخطية ، كلما ازداد انفصاله عن الله ، فتزداد فيه حالة الموت الروحى .حتى يصل إلى المشابهة مع إبليس ، فيصبح إبناً لإبليس ( يو8: 44 ، أع 13 : 1 ) الذى هو سلطان الموت والظلمة ( عب2: 14 ، أف 6: 12، كو 1: 13) ، أى المتسلط على الساقطين فى الموت الروحى.
( 4 ) ولهذا السبب ، فإن الكتاب المقدس يوضح الفارق الكبير بين موت الكائنات الحية الأرضية جميعاً ، وبين موت الإنسان . فإن موت الأحياء الأرضية هو الأمر الطبيعى الذى خلقت عليه ، فإنها ـــ بطبيعتها الأصلية ــ مخلوقة للموت والفناء : [ كحيوانات غير ناطقة ( اى أعجمية) ، طبيعية ، مولودة للصيد والهلاك ] 2بط 2: 12 .بينما الإنسان هو مخلوق ـــ بحسب طبيعته الأصلية الأولى ــــ على صورة الله فى الخلود ، أى أنه مخلوق للحياة ، وليس للموت ، أى أن الموت هو عنصر غريب عنه ودخيل عليه ، دخل إلى طبيعته كعقوبة عندما أخطأ : [ يوم تأكل منها موتاً تموت ] تك 2 :17 ، لأن : [ أجرة الخطية هى موت ] رو 6: 3 .أى أن موت الإنسان هو انحراف وخروج عن الحالة الطبيعية الأصلية له .أما موت الحيوانات وغيرها فإنه هو الحالة الطبيعية الأصلية المخلوقة عليها ، ولا علاقة له نهائياً بالعصيان أو التمرد ، بل إنها ــ أصلاً ـــ لا تملك الفهم الروحى حتى تفهم الوصية الإلهية الروحية وتختار طاعته أو عصيانه ، بل إنها مخلوقة بطبيعتها للفناء ( 2بط2: 12) ولذلك فإن الله أحل ذبحها وأكلها جميعاً (تك 9: 3)
.ومن ذلك يتضح لنا جانب من جوانب الفارق العظيم بين موت الإنسان وموت الحيوان ، وأنهما ليسا سواء .
(5) والموت الروحى يبدأ يعمل فى الإنسان منذ لحظة سقوطه فى الخطية :- لذلك فإن أدم بمجرد سقوطه فى العصيان ، فقد استنارته الروحية وابتدأ يتخبط ، وابتدأ يفكر بطريقة مظلمة منحرفة عن المنطق السليم ، فبدلاً من أن يعترف بخطيته ، حاول أن يتهرب من الحقيقة ، وحاول أن يلقى بالمسئولية على الآخرين ، فألقى بالمسئولية على حواء ، وليس ذلك فقط ، بل إنه تطاول على الله ـــ مثله في ذلك مثل الشيطان المعاند ــــ فألقى بالمسئولية على الله ذاته ، بحجة أنه هو الذي خلق له حواء ، إذ قال لله : [ المرأة التي جعلتها معي ، هي أعطتني من الشجرة فأكلت ] تك 3 : 13 . متعاميا عن أن الله خلقه رأسا لحواء وليس ثانيا لها ولا تابعا لها ، فإنه هو صاحب المسئولية قبل حواء . كما أن الله أعطاه عقلا روحانيا مستنيرا مستقلا بذاته ، وقادرا على رفض كل مشورة خاطئة ، أيا كان مصدرها .
lوهكذا ــــ بمجرد السقوط ــــ إظلم العقل الروحي ، فلم يعد يرى الحق ولا يعترف به ، بل أصبح يلوي الحقائق لتبرير ذاته ، حتى لو كان ذلك عن طريق التجني على الله ذاته ، وإدانته بالباطل ( = [ تستذنبني لكي تتبرر أنت ] أي 40 : 8 ) .
l وهذه العقلية المظلمة هي مظهر من مظاهر الموت الروحي .
( 6 ) والتوبة تقلل من سوء حالة الموت الروحي ، ولكنها لا تشفيها تماما . لا يزيل الموت الروحي إلا محو صك الخطايا ، وذلك لا يمكن إلا بالفداء الإلهي .
( 7 ) وقد ورث أبناء آدم حالة الخطية والموت ، مثلما يورث الأب للأبناء فيروس المرض ، ومثلما ينتشر المرض من أصل الشجرة إلى جميع فروعها . (( ولذلك فإن رب المجد تجسد بمعجزة إلهية من عذراء ، لكي يهيئ لنفسه ناسوتا مقدسا غير وارث لخطية آدم . للمزيد أنظر ملحوظة 1 صفحة 8 وملحوظة 14 صفحة 54 ))l ولذلك مكتوب : [ بإنسان واحد ( أي بآدم ) دخلت الخطية إلى العالم … بخطية الواحد ( أي آدم ) قد ملك الموت ] رو 5 : 12 و 17 .
وعن امتزاج الخطية بالطبيعة البشرية ــــ بعد السقوط ـــــ منذ بدء تكوين الانسان في بطن أمه ، مكتوب : [ بالخطية حبلت بي أمي ] مز 51 : 5 ، أي أن الانسان يولد حاملا للخطية .
ولكن الله لم يخلق الإنسان خاطئا ، بل خلقه على صورته في القداسة، ولكن الخطية والموت دخلا في الطبيعة البشرية كنتيجة للعصيان .
( 8 ) وبالإضافة للخطية الموروثة من آدم ، فإن البشر جميعا يسقطون في خطايا أخرى شخصية ، يفعلونها هم ، ولا يوجد إنسان واحد بلا خطية (( إلا الله المتجسد ، ، ربنا وإلهنا يسوع المسيح ، القدوس الذي بالإضافة لتجسده بمعجزة إلهية من عذراء ليهيئ لنفسه منها جسدا غير وارث للخطية ، فإنه ــــ أيضا ــــ قدوس بلا خطية شخصية ولا وجد فيه شر من أي نوع . لذلك مكتوب عنه : [ ليس فيه خطية ] 1 يو 3 : 5 ، أي أنه بلا خطية على وجه الإطلاق . ، ولذلك فإنه قال : [ من منكم يبكتني على خطية ] يو 8 : 46 . للمزيد : ملحوظة ( 14 ) صفحة 54 )) ، لذلك مكتوب : [ إن قلنا أنه ليس لنا خطية ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا ] 1 يو 1 : 8 ، وأيضا : [ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله ( أي الفداء الإلهي المجيد ) ] رو 3 : 23 .
( 9 ) وعن هذا الموت الروحي ــــ الناتج عن الخطية الموروثة والشخصية ، معا ــــ مكتوب : [ كنتم أمواتا بالذنوب والخطايا ] أف 2 : 1 ، ونلاحظ هنا ، أن الإنجيل يخاطب أشخاصا أحياء فعلا ، ومع ذلك يصفهم بأنهم كانوا أمواتا بالخطية ( أي قبل حصولهم على الفداء الإلهي ) , فإنه هنا يتحدث عن الموت الروحى ، الذى يستمر فيه الإنسان حياً ، ولكن بحياة معكوسة بعيدة عن الحياة الحقيقية ، ثم يستطرد : [ وكنا بالطبيعة أبناء الغضب ( بالطبيعة لأن خطية أدم امتزجت بالطبيعة البشرية ) كالباقين أيضاً ( لأن ذلك يشمل جميع البشر ) ] أف 2:3 . أى الطبيعة الساقطة التى طهرها المسيح بدمه ، فصارت طبيعة جديدة .
(10) فقد إفتدانا الرب من حكم الموت ، إذ محا صك خطايانا ، الذى كان يستوجب علينا حكم الموت وما يتبعه من عقوبات واجبة على المتمردين العصاة l وهذا الفداء تم على الصليب ، إذ حمل خطايانا ومات عنا .l وقد أقامنا من الموت ، من خلال عمله المعجزى فى المعمودية : [ مدفونين معه فى المعمودية ، التى فيها أقمتم أيضا معه … وإذ كنتم أمواتاً فى الخطايا وغلف جسدكم أحياكم معه ، مسامحاً لكم بجميع الخطايا ، إذ محا الصك الذى علينا في الفرائض ( الكلمة الأصلية ــــ دوغما ــــ تعني المفروضات من تعاليم أو نواميس أو أحكام مستوجبة ، أي الناتجة عن صك الخطايا ، وقد محاها الرب كلها ) ، الذي كان ضدا لنا ( لأن صك خطايانا كان يجلب علينا الغضب : أف 2 : 3 ) وقد رفعه من الوسط مسمرا إياه بالصليب ] كو 2 : 12 - 14
l أي أن الرب سمر صك خطايانا بالمسامير التي سمر بها على الصليب ( ولذلك تصلي الكنيسة : وبالمسامير التي سمرت بها أنقذ عقولنا ….. ) , إنه محا الصك , وبالتالي محا الأحكام والأثقال الناموسية ( أنظر : غل 3 : 10 – 27 ) .
l وعن محو صك خطايانا الذي كان ينشئ العداوة مع الله ، مما أدى للمصالحة ، مكتوب : [ عاملا الصلح بدم صليبه ] كو 1 : 20 .
l كما أن النبوات ــــ قديما ــــ تنبأت عن هذا الفداء ومحو صك الخطايا ، إذ إنه مكتوب : [ أنا أنا هو الماحي ذنوبك ] أش 43 : 25 ، وأيضا : [ أنا أنا الرب وليس غيري مخلص ( = ليس بأحد غيره الخلاص أع 4 : 12)] أش 43 : 11 ، وأيضا : [ من يد الهاوية ( حرفيا : الجحيم ) أفديهم ، من الموت أخلصهم ] هو 13 : 14 .
l وهو فداء إلهي فيه الكفاية والقدرة الغير محدودتين ، لمحو خطايا العالم كله في كل الأجيال : [ وهو كفارة لخطايانا ، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضا ] 1 يو 2 : 2 .
l وهو فداء إلهي مجاني مشروط : مجاني ، لأننا فقراء ولا نملك شيئا من ثمنه الغالي الغير محدود . وهو مشروط بشروط وضعها الرب بهدف الحفاظ على حرية البشر في القبول والرفض ، وبهدف تأكيد عدم المحاباة لأي أحد ، وبهدف إظهار العدل الإلهي عند التفريق بين المستحقين وغير المستحقين . ( راجع بحثنا : الإنجيل يجيب : هل يمكن أن يهلك المؤمن ؟ ) .
( 11 ) والفداء الإلهي ينقذنا من الموت الروحي في الدهر الحالي وفي الدهر الآتي ، ويؤهلنا لقيامة الأبرار . l ولكن عودتنا إلى الخطية بعد حصولنا على الفداء الإلهي ، يعيدنا مرة أخرى إلى حالة الموت الروحي l ولكي يظل باب الأمل مفتوحا ، فإن الرب وضع لنا سر غفران الخطايا للتائبين المعترفين ( راجع نبذتنا : التناول باستحقاق ) .
2 الموت بمعنى : إنفصال الروح عن الجسد ، أي الوفاة :
l هذا هو المعنى الثاني لكلمة " الموت " ، فترجع الروح إلى عالم الروح ، ويرجع الجسد إلى التراب .
l ولكن ، بعد الفداء الإلهي ، لم يعد موت القديسين يسمى موتا ( لأنهم ليسوا أمواتا بالروح ) ، بل أصبح يسمى انتقالا وإنطلاقا إلى الفردوس . ولم يعد هذا الموت عقوبة ، كما كان في العهد القديم ، بل أصبح ربحا ( في 1 : 21 ) لأنه يؤدي بالقديسين إلى الفردوس ، مع المسيح ، ذاك أفضل جدا .
3 الموت بمعنى : سجن هاوية الجحيم
( 1 ) في العهد القديم ــــ أي قبل الفداء الإلهي ــــ كانت كلمتا : " الموت " ، و " هاوية الجحيم " ، ملتصقتين ببعضهما البعض تماما ، إلى درجة أنه كان لا يمكن الفصل بينهما ، فإذا جاء الكلام ــــ في العهد القديم ـــــ عن " الموت " ، تجيء معه : " هاوية الجحيم " ، كما لو كانا توأمين ملتصقين .
والأمثلة على ذلك كثيرة ، مثل : ـ
l [ الرب يميت ويحيي ، يهبط إلى الهاوية ( حرفيا : الجحيم ) ويصعد ] 1 صم 2 : 16
l [ اكتنفتني حبال الموت . أصابتني شدائد الهاوية ( ح : الهاوية ) ] مز 116 : 3
l [ أسلمت جميعا إلى الموت … يوم نزوله إلى الهاوية ( ح : الهاوية ) ] حز 31 : 14 ، 15
( 2 ) والسبب في هذا الالتصاق بين الموت وهاوية الجحيم ، هو أنه كان ـــ قبل الفداء الإلهي ـــ حكما عاما على جميع البشرية بلا استثناء ، لذلك مكتوب : [ أي إنسان يحيا ولا يرى الموت . ينجي نفسه من يد الهاوية ( ح : الجحيم ) ] مز 89 : 48 .
l إذ كان آدم وجميع بنيه محكوما عليهم بالموت ( تك 2 : 17 + رو 5 : 12 و 17 . للمزيد : سلطان الموت ، صفحة 38 ) ( ولهذا السبب ، فإن رب المجد تجسد من عذراء لكي لا يصبح وارثا لحكم الموت . للمزيد . ملحوظات (1 ) ، (14))
( 3 ) وللجحيم أسماء مترادفة عديدة ، مثل : الهاوية ـــ السجن ـــ الحبس ــــ الجب ــــ الحفرة ــــ أسافل الأرض ــــ أقسام الأرض السفلى …. إلخ . وكلها تعبر عن نفس الشيء ، وهو سجن الأرواح .
( 4 ) والجانب الأخطر في حكم الموت كان هو هاوية الجحيم ، تلك الشوكة المخيفة ( هو 13 : 14) ، وليس موت الجسد الذي لا خوف منه : [ لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ] مت 10 28 ، فإن موت الجسد لا يهم ولا يخيف ، لأنه لا تعقبه مشاكل l بل المخيف هو سقوط الروح في هاوية الجحيم . وهذا هو الذي تجسد الرب لكي يفدينا منه l فإنه من الواضح أن الرب لم يفدينا من موت الجسد الترابي وفنائه وتلاشيه ، بل من سلطان الموت الروحي : [ لكي يبيد ( ح : يبطل ) بالموت ( أي بموته على الصليب ) ذاك الذي له سلطان الموت ، أي إبليس ، ويعتق أولئك الذي خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية ] عب 2 : 14 و 15
l ما هو الموت الذي كان لإبليس السلطان عليه ، وأبطله الرب ؟ هل هو موت الجسد بالتحلل والفناء ؟ بالطبع لا ، بدليل أننا جميعا لا نزال نموت بالجسد ، فتتحلل أجسادنا وتفنى .
بل إن الرب أبطل إبليس ــــ سلطان الموت ــــ أي أنه أبطل سلطانه على القبض على أرواحنا ، إذ جرده من سلطانه هذا . ومكتوب أيضا عن تجريد الرب لإبليس وجنوده من سلطانهم : [ إذ محا الصك .. مسمرا إياه بالصليب ، إذ جرد الرياسات و السلاطين ، أشهرهم جهارا ظافرا بهم فيه( أي في الصليب )] ( كو 2 : 14 و 15 ) l أي أنه جرد إبليس وجنوده من سلطانهم .بالصليب فضح الرب ضعفهم ، أمام قوته ، إذ أبطل سلطان الموت على المؤمنين به ، وأطلق سراح أسرى الرجاء ( للمزيد : الرد الخامس صفحات 45 - 48 ) ، وأصبح المفديون يذهبون إلى الفردوس مباشرة .
وهكذا أبطل الخوف من الموت ، الذي كان مسيطراً على البشر قبل الفداء ، حتى أن الإنجيل يصفهم بأنهم كانوا كل حياتهم تحت عبودية الخوف من الموت ( عب 2 : 14 و 15 )
<والدليل على الخوف من ذلك الموت ــــ في العهد القديم فقط ــــ هو تلك الأوصاف المخيفة التي كانوا يصفون بها هاوية الجحيم ، مثل : -
O [ أصابتني شدائد الهاوية ( ح : الجحيم ) ] مز 116 : 3
O [ حبال الهاوية ( ح : الجحيم ) أحاطت بي ] 2 صم 22 : 6
O [ أين شوكتك يا هاوية ( ح : الجحيم ) ] هو 13 : 14
O [ وضعتني في الجب السفلي في ظلمات في أعماق ] مز 88 : 6
( 5 ) ولكن القديسين ــــ مع ذلك الخوف ــــ كانوا يترجون الفداء الإلهي ، ليس من موت فناء الجسد ، بل من موت الجحيم ، مثلما هو مكتوب :
O [ لن تترك نفسي في الهاوية ( ح : الجحيم ) ] مز 16 : 10
O[ رحمتك عظيمة نحوي ، وقد نجيت نفسي من الهاوية ( ح : الجحيم ) السفلي ] مز 86 : 13
O [ الهاوية ( ح : الجحيم ) مسكن لهم ( أي الأشرار ) ، إنما الله يفدي نفسي من يد الهاوية ( الجحيم ) لأنه يأخذني ] مز 49 : 15 l وهو ما تم فعلا في الفداء الإلهي على الصليب ، فقد ذهب رب المجد بروحه البشرية و أطلق سراح أسرى الرجاء . من أرواح الموتى (( راجع 1 بط 3 : 18 و 19 ، 4 : 6 ، أف 4 : 8 ، 9 ، وللمزيد : الرد السادس ـ 4 ـ صفحة 45 ))
( 6 ) وبسبب شدة الخوف من موت هاوية الجحيم ــــ في العهد القديم ــــ فإن الله كان يطمئن قديسيه بأنه لن يتركهم ، بل سوف يفديهم ويطلق سراحهم ويصعدهم :
O [ اهتفى يا بنت أورشليم ، هو ذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور ، وديع وراكب على حمار وعلى جحش إبن أتان ( = يو 12 : 14 و 15 ) … فإني بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء ، إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء ] زك 9 : 9 ـ ــ 12
l l هذه نبوءة شديدة الوضوح ، عن رب المجد الذي دخل أورشليم كملك وديع راكب عل جحش إبن أتان ، وليس على حصان مثل الملوك المتجبرين ، وهو قد فدانا بدم العهد الجديد الذي قال عنه : [ هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ] مت 26 : 28l وهو أطلق سراح [ أسرى الرجاء ] بعد أن محا صك خطاياهم على الصليب ، وهم الذين ماتوا على رجاء الفداء الإلهي ، وقد كانوا أسرى في سجن الأرواح ، أي الجحيم ( 1 بط 3 : 19 ) . ( للمزيد : صفحة 45 - 48 ) l ويستحيل تفسير هذه النبوءة تفسيراً مادياً ، لأن الملك المسيح ، بعدما دخل أورشليم ، لم يطلق ــــ بدم العهد ـــــ أي أسرى أرضيين من بلاد للأعداء ، كما لم يخرج أي أحد من جب ليس فيه ماء ، كما لم يكن عنده حصن مادي ، ليدعو أسرى الرجاء بالنجاة إليه . l بل إن كل هذه النبوءة تتكلم عن عالم الروح ، عن أرواح بشرية مأسورة ، وعن سجن روحي ، وعن عدو روحي هو إبليس .
O [ قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك ، إرجع إلى لأني فديتك ، ترنمي أيتها السموات لأن الرب قد فعل ، إهتفي يا أسافل الأرض ] أش 44 : 23
l ربنا يسوع المسيح هو الفادي الوحيد الذي ليس بأحد غيره الخلاص ( أع 4 : 12 ) وهو الذي محا صك خطايانا ( كو 2 : 14 ) l وستهتف أسافل الأرض ( = أقسام الأرض السفلى أف 4 : 9 ) ، أي سجن هاوية الجحيم ( 1 بط 3 : 19 ) ، لأنه ذهب إليها فكرز بالخلاص للأرواح التي فيها ، أي لأرواح الموتى التي فيها ( 1 بط 4 : 6 ) l وستترنم السموات ، لإنه سيصعد إليها بهذه الأرواح المفدية المحررة ( أف 4 : 8 ) l فإن الجمع ــــ في هذه النبوءة ــــ بين السموات و بين أسافل الأرض ، هو بسبب هذا الفداء العظيم l إنه خلاص عظيم يستحق الهتاف من أسافل الأرض ( أي الجحيم ) إلى السموات ( أي الفردوس ) ، وعلينا ألا نهمله : [ فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصا هذا مقداره ] عب 2 : 3
O [ صعدت إلى العلا ، سبيت سبيا ( = أف 4 : 8 ) …. الله لنا إله خلاص ، وعند الرب السيد للموت مخارج ] مز 68 : 18-20
l هذه النبوءة أيضا تتكلم عن الصعود إلى العلا أي إلى السماء ، وعن سبي السبي ، أي تحرير المسبيين من السجن وإصعادهم إلى السماء ، ولذلك تقول النبوءة إن الله عنده [ للموت مخارج ] لأنه سيخرج أرواح الموتى من السجن l وهو نفس المكتوب عن رب المجد : [ صعد إلى العلا ، سبى سبيا ] أف 4 : 8 ، وأيضا : [ ذهب للأرواح التي في السجن ] 1 بط 3 : 18 ، [ بشر الموتى ] 1 بط 4 : 6 .
l ومكتوب [ سبى سبيا ] ، لأن الرب لم يخلص المأسورين عن طريق التوسلات ، بل إنتزعهم إنتزاعا من قبضة الشيطان سلطان الموت ، إذ جرده من كل قوته وسلطانه ( كو 2 : 14 و 15 ) ، مثلما سبق رب المجد وقال : [ لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قوي وينهب أمتعته ( أي ممتلكاته ، لأنه كان يتملك على أرواح البشر ، فهو سلطان الموت ) إن لم يربط القوي أولا ( أي أنه سمره بالصليب ) وحينئذ ينهب أمتعته ] مر 3 : 27 ، و بيت القوي ، هو سجن الجحيم الذي كان إبليس صاحب السلطان عليه ، لأنه هو سلطان الموت (عب 2 : 14)
( 7 ) أما بعد الفداء الإلهي ، فقد انقطعت ـــ تماما ـــ العلاقة بين موت المفدين وبين هاوية الجحيم . إذ أنقذنا الرب منه ، وفتح لنا فردوس النعيم .
l وهكذا نجد القديسين في العهد الجديد ، لا يخافون الموت إطلاقا ، بل بالعكس يعتبرونه انتقالا إلى الأفضل جدا ، إلى المسيح في الفردوس . l ألم يقل الرب للص اليمين ، أنه سيكون معه ـــ في نفس اليوم ـــ في فردوس النعيم . l ألم يظهر لشهيده إسطفانوس ، منتظرا ليضمه إليه في فردوسه . l أليس لهذا السبب قال بولس الرسول : [ لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ، ذاك أفضل جدا ] في 1 : 23 .
( 8 ) من كل ما سبق ، يتضح لنا بكل جلاء ، أن الموت الأخطر ، الذي يتكلم عنه الكتاب المقدس من أوله لآخره ، هو موت هاوية الجحيم ، وليس موت الجسد وفناءه .
e إن موت الجحيم هو الموت الذي كان الرب يتكلم عنه ، عندما قال عن المتناولين من جسده ودمه الأقدسين : [ هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت ] يو 6 : 50 ، فإنه لم يكن يعني موت الوفاة وتحلل الجسد ، بل موت الجحيم .
e وعن نفس الأمر ، كرر التوكيد على عدم موت الجحيم لأبناء العهد الجديد ، مثلما كان يحدث في العهد القديم ، إذ قال : [ هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ، ليس كما أكل آباؤكم المن وماتوا . من يأكل هذا الخبز يحيا إلى الأبد ] يو 6 : 58 . أي أن أبناء العهد القديم ماتوا موت الجحيم ، أما أبناء العهد الجديد فلن يذهبوا إلى موت الجحيم ، بل سيذهبوا إلى الحياة مع المسيح في الفردوس . l فإن الرب هنا لم يكن يعني أن أبناء العهد القديم ماتوا بالجسد وأن الناس في العهد الجديد لن يموتوا بالجسد ، بل كان يقارن بين الذهاب للجحيم في العهد القديم ، وبين الذهاب للفردوس في العهد الجديد .
eإن موت الجحيم هو الذي قال عنه الرب : [ كل من كان حيا ( أي بالجسد ) وآمن بي ، فلن يموت إلى الأبد ] يو 11 : 26 ، فإنه يعني أن المؤمن به لن يذهب إلى موت الجحيم ، بل إلى الفردوس . وأما موت الجسد فإنه ليس هو الأمر الخطير الذي تجسد وصلب من أجله ، بل إن الأمر الخطير هو موت الجحيم .
.والذي يقدم هذا الوعد هو القادر على كل شيء ، فإنه كان يتكلم عن هذا الأمر قبيل إقامته للعازر من الأموات ، فهو الصادق في كلامه والقادر على كل شيء ، ولو كان يقصد أن المؤمنين به لن يموتوا موت الجسد ، لفعل ذلك ، فهو القادر على كل شيء ، لأنه هو الذي [ كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان ] يو 1 : 3
e موت الجحيم هو الموت الذي قال عنه الرب [ إن كان أحد يحفظ كلامي ، فلن يرى الموت إلى الأبد ] يو 8 : 51 ، أما اليهود ، فقد إحتجوا على هذا الكلام ، لأنهم ظنوه يتكلم عن موت الجسد ، أما هو فكان يتكلم عن موت الجحيم الذي كان ـــ قبل الفداء الإلهي ــــ متسلطاً على جميع البشر بما فيهم إبراهيم ونسله ( عب 2 : 16 ) ولذلك فإن الرب أجاب على هؤلاء المحتجين ، بقوله : [ أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح ] أي أن كلامه هو عن يوم الفداء والفردوس الذي كان الأباء يترجونه وينظرونه من بعيد ( عب 11 : 13 ) .
l فعلينا أن نفهم كلام الرب بأذهان روحية ، وليس بتفكير جسداني مثل أولئك اليهود .
e إنه موت الجحيم ، وليس موت الجسد ، الذي أبطله الرب : - [ مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت ] 2 تي 1 : 10 ، فإنه من الواضح أن الرب لم يبطل موت الجسد بالتحلل والفناء ، بل أبطل موت الجحيم .

ملخص لموضوع
[ سلطان الموت ] عب 2 : 14
( 1 ) بخطية آدم ، أصبح هو وكل نسله تحت حكم الموت : [ بإنسان واحد ( أي آدم ) دخلت الخطية إلى العالم ] رو 5 : 12 ، [ بخطية الواحد ( أي آدم ) ملك الموت ] 5 : 17 ، [ بمعصية الإنسان الواحد ( أي آدم ) جعل الكثيرون خطاة ] رو 5 : 19 .
( 2 ) كما أن خضوع آدم لمشورة الشيطان ، وتفضيله طاعة الشيطان على طاعة الله ، جعله عبداً للشيطان ، مثلما أن [ من يعمل الخطية هو عبد للخطية ] يو 8 : 34 l ومنذ تلك اللحظة ، أصبح إبليس متسلطاً على آدم وبنيه ، وأصبح يسمى : [ رئيس هذا العالم ] يو 12 : 31 و 14 : 30 l بل لقد تعبد البشر فعلاً للشيطان ، من خلال أديان العالم المختلفة ، حتى أصبح يسمى : [ إله هذا الدهر ] 2 كو 4 : 4 .
( 3 ) وبسقوط آدم وبنيه تحت حكم الموت ، بكل معانيه ، أصبح للشيطان الذي باعوا أنفسهم له ، أصبح له [ سلطان الموت ] عب 2 : 14 .
l مع ملاحظة أن تعبير سلطان الموت لا يعني أن إبليس هو صاحب السلطان على تعيين أجل الإنسان ( أي وقت وفاته ) ، لأن ذلك في سلطان الله وحده : [ قد عينت أجله ، فلا يتجاوزه ] أي 14 : 5 ، بل إن سلطان الموت يعني أنه كان له السلطان على أرواح البشر عند خروجها من الجسد ، وقت الوفاة . إذ كانت أرواح البشر جميعاً تذهب إلى هاوية الجحيم ، أي سجن الأرواح ( 1 بط 3 : 19 )
( 4 ) وكانت هذه العلاقة اللصيقة بين الموت وبين سلطان إبليس على أرواح الموتى ، هي سبب نغمة الخوف ــــ من الموت ــــ السائدة في العهد القديم .
( 5 ) ولكن رب المجد أنقذنا من سلطان الموت وفتح لنا الفردوس ، وبذلك قطع العلاقة بين موت المفديين وبين هاوية الجحيم ، وكذلك أبطل سلطان إبليس على البشر الذين يؤمنون بالمسيح ويسلكون بحسب وصاياه .
( 6 ) ملكوت المسيح بدأ بالصليب
l لقد اشترانا الرب بدمه ( 1 كو 6 : 20 ، 1 بط 1 : 18 و 19 ) فلم نعد مبيعين للشيطان ولم نعد تحت سلطانه ، بل انتقلنا إلى ملكوت المسيح : [ أنقذنا من سلطان الظلمة ( أي إبليس = أف 6 : 12 ) ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ] كو 1 : 13 .
l وهكذا أعطى للبشر جميعا ـــ إن آمنوا به ــــ الفرصة لكي : [ يرجعوا من ظلمات إلى نور ، ومن سلطان الشيطان إلى الله ] أع 26 : 18 .
l وملكوت المسيح ــــ الذي بدأ بالصليب ــــ هو على المؤمنين به ، الذين اشتراهم بدمه ، وأما غير المؤمنين فإنهم يظلون تحت سلطان إبليس ، في مملكة الظلمة l
l وأما في يوم الدينونة ، فسيبطل نهائياً سلطان إبليس ، وينهي مملكته وتملكه على أتباعه ، إذ سيلقي به ــــ معهم ــــ في جهنم النار ، أي بحيرة النار ( رؤ 20: 10- 15 ، 21 : 8 ) ( للمزيد : الموت الثاني ) l وبذلك تنتهي مملكة الظلمة والشيطان ، نهائياً .
4 الموت بمعنى الموت الثاني
l إن كان الموت الأول هو بسقوط آدم ، ثم بوفاة الإنسان ، إذ تنفصل روحه عن جسده ، فيتحول الجسد إلى التراب ، وتذهب الروح إلى مصيرها الذي تستحقه ، فما هو الموت الثاني ؟
l يقدم الإنجيل تعريفاً محدداً لمعنى الموت الثاني ، بأنه الطرح في جهنم النار ، أي في بحيرة النار : ـ [ وطرح الموت والهاوية ( حرفياً : الجحيم ) في بحيرة النار ، هذا هو الموت الثاني ، وكل من لم يوجد مكتوباً في سفر الحياة طرح في بحيرة النار ] رؤ 20 : 14و 15 ، وأيضاً : [ وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة … فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني ] رؤ 21 : 8
l ويؤكد الإنجيل ، مرات عديدة ، على أن الموت الثاني لا يعني التلاشي الذي يحدث في لحظات طالت أم قصرت ثم ينتهي أمره نهائياً بعد ذلك ، بل إنه هو العذاب الأبدي بلا نهاية ، إذ أنه مكتوب : [ إن كان أحد يسجد للوحش … يعذب بنار وكبريت … ويصعد دخان عذابهم إلى أبد الآبدين ] رؤ 14 : 9 – 11 ، وأيضاً : [ وإبليس الذي كان يضلهم ، طرح في بحيرة النار والكبريت ، حيث الوحش والنبي الكذاب ، وسيعذبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين ] رؤ 20 : 10
ونلاحظ هنا ، أن الإنجيل يضاعف التوكيد على أبدية العذاب فى بحيرة النار (أى جهنم النار) ، فلا يكتفى بالقول بأنه إلى الأبد ، لئلا يظن المتشككون أنه سيكون إلى أبد أو نهاية هذا الدهر الحاضر ، بل إن الإنجيل يستخدم التعبير المضاعف المشدد: [ إلى أبد الآبدين ] ، لكى يقطع كل شك فى الأبدية المطلقة لعذاب الأشرار فى جهنم النار.
l وعن هذا العذاب الأبدى المطلق ، تنبأت النبوات فى العهد القديم ، بنفس المعانى ، بل وبنفس الألفاظ تقريباً ، مثل :- [ وتلتفت السموات كدرج وكل جندها ينتثر كإنتثار الورق من الكرمة والسقاط من التينة (=روء 6: 13،14 )000 وتتحول أنهاراً زفتا وترابها كبريتاً (= بحيرة النار والكبريت روء 20 :10) وتصير أرضها زفتاً مشتعلاً ليلاً ونهاراً (= روء 14: 11 ،20: 10) لا تنطفئ إلى الأبد يصعد دخانها من دور إلى دور تخرب إلى أبد الآبدين (= روء 14: 1) لا يكون من يجتاز فيها ويرثها القوق والقنفذ ( إشارة للأرواح الشريرة = [ محرساً لكل روح نجس ومحرساً لكل طائر نجس ] روء 18: 2) 000 هناك يستقر الليل (= الظلمة مت 8: 12 ، 24: 29 ، 25: 30 ، 2بط 2: 17 ، يه 6 0000 إلخ ).] أش 34: 4-14
l ومن ذلك تتضح وحدة الكتاب المقدس كله ، فإن كلام الله لا يتناقض ، بل يتكامل : [ ما جئت لأنقض ، بل لأكمل ] مت 5: 12
l والفارق الوحيد بين القديم والجديد ، هو أن ملامح الصورة نفسها ــــ التى كانت باهته ومعتمة ـــــ تزداد وضوحاً ، إلى أن يحين ذلك اليوم الآتى ، الذى فيه ستظهر كل هذه الأمور ، عياناً ( 1كو 13: 12)
l وفى المقابل لوجود الموت الأول والموت الثانى ، مع إختلاف طبيعتهما ، فكذلك أيضاً يوجد ميلادان لهما طبيعتان مختلفتان تماماً : الأول من رحم الأم بحسب قوانين الطبيعة الجسدية ، والثانى من المعمودية بمعجزة إلهية تفوق الطبيعة المنظورة
l وكذلك ايضاً توجد قيامتان : (1) القيامة الأولى هى قيامتنا مع المسيح من خلال المعمودية : [ مدفونين معه فى المعمودية ، التى فيها أقمتم أيضاً معه ] كو 2: 12 وتنقلنا من سلطان إبليس إلى ملكوت المسيح ( كو1: 13 ) ، وهذه القيامة الأولى هى التى تبطل عنا سلطان الموت ، إذ تغسلنا من خطايانا ( أع 22: 16) فتمحو صك خطايانا الذى كان يستوجب علينا الموت ، ( كو 2: 14) ، وتمنحنا الخلاص ( مر 16: 16 ) والحياة الجديدة (رو 6: 4 ) ، كما أن هذه القيامة الأولى ـــ بالمعمودية ـــ هى التى تنقذنا من الموت الثانى (روء 20: 6) بشرط أن نحفظ دعوتنا وإختيارنا ثابتين (2 بط 1: 10،11). (2) القيامة الثانية ، هى قيامة الأبرار بالجسد من الأموات ، فى المجىء الثانى ( أما قيامة الأشرار ، فتسمى قيامة الدينونة ) .
l ولتحذيرنا من الموت الثانى ومن العذاب الأبدى فى جهنم النار ، يقول الإنجيل :[ كما أن سدوم وعمورة والمدن التى حولهما ، إذ زنت 0000 جعلت عبرة مكابدة عقاب نار أبدية ( حرفياً : جعلت عبرة نار أبدية ، مكابدة عقاباً) ] يه 7 l فإن مبدأ العقاب الإلهى موجود ، وإن مكابدة سدوم للعقاب بالنار هو دليل على وجود النار الأبدية .l ونلاحظ أن الإنجيل يوجه هذه الرسالة إلى الكنيسة لتحذيرها من أشخاص منحرفين ، كانوا ينشرون ضلالات تدعو إلى الفجور ( يه 4). l فتذكرهم الرسالة بعقاب الله لكل من يخطئ ، بلا محاباة وبلا إستثناءات > مثل عقاب الله لشعبه ــ بعدما خلصهم من عبودية مصر ـــ عندما أخطأوا > وعقاب الله للملائكة ـــ أصحاب المكانة السامية ـــ عندما أخطأوا > وعقاب الله للمدن الكاملة ، مثل سدوم وعمورة ، عندما سقطت فى الزنا ، فأحرقها بلا رأفة . لأن رحمة الله لا تلغى عدل الله ودينونته .
l إنها رسالة تحذير ــــ بأن العقاب بالنار الذى تكبدته سدوم وعمورة هو دليل على وجود عقوبة النار الأبدية ـــ بهدف تحذير الكنيسة من هذه الضلالات التى تنكر الدينونة.
l وتحذر الرسالة أصحاب هذه الضلالات من العقاب الأبدى ، إذ تصفهم بأنهم [ نجوم تائهة محفوظ لها قتام الظلام إلى الأبد ] يه 13 ، وأن الرب عند مجيئه فى ربوات قديسيه سيدينهم على فجورهم (14و15) l وهذه الرسالة موجهة إلى الكنيسة فى كل العصور ، للتحذير من خداع الشيطان ، الذى يوهم البعض بأن الله الرحوم لن يعاقب أحداً بهذه العقوبات القاسية .
l فإن الشيطان يبلبل العقول عن طريق الفصل بين رحمة الله وبين عدالة الله l فعندما نكون مشتاقين للتوبة ونكون في أشد الحاجة إلى التشجيع بالرجاء في رحمة الله ، فإن الشيطان يقطع علينا طريق التوبة بأن يخيفنا بعدالة الله وصرامته ، لكي يفقدنا كل أمل ورجاء في رحمته .
l بينما عندما نكون مستهترين ومحتاجين إلى تذكيرنا بغضب الله وشدة عقابه للأشرار ، فإن الشيطان ـــ حينذاك ــــ سيصرخ في آذاننا بأن رحمة الله أعلى من السموات ومحبته أقوى من الموت l فإنه لا يقول ذلك حباً فينا أو حبا في الله ، بل لكي يخّدر ضمائرنا فنستهين بأهمية التوبة ، ونتمادى في الخطية إلى أسوأ وأسوأ .
l وعقوبة النار الوقتية التي كابدتها سدوم وعمورة ، كانت لمجرد لحظات معدودة ، مثلها مثل إمرأة لوط التي إرتدت بقلبها ، ففقدت حياتها في لحظات معدودة l إنه موت سريع جدأ وليس فيه عذاب ولا شقاء ، إنه موت سهل جداً . وهو لا يساوي شيئاً بالقياس إلى الأزمنة التي إستمروا فيها يخطئون ، ولا يساوي شيئاً بالمقارنة بالعذاب الذي سببوه لمن آذوهم أو اغتصبوهم . l إنه موت سهل ، لا يساوي شيئاً ولا حتى بالمقارنة بالحياة في سبي بابل ، والمكتوب عنها : ـ [ قد صار عقاب بنت شعبي أعظم من قصاص خطية سدوم التي إنقلبت في لحظة ولم تلق عليها أيادي ] مرا 4 : 6 l إنه موت سهل ، لا يساوي شيئاً ولا حتى بالمقارنة بالعذابات المريرة التي يعانيها المرضى بالأمراض الخبيثة التي يطول عذابها بالسنين ، ليلاً ونهاراً . l ولذلك فإن العقوبة اللحظية ، بالنار اللحظية ، التي كابدتها سدوم وعمورة ، لن تعفيهما من الدينونة في يوم الدينونة ، ولن تكون بديلاً عن العقاب بالنار الأبدية .
l وقد أكد رب المجد أن سدوم وعمورة ستقومان في يوم الدينونة ليتم حسابهما ، بحسب خطاياهما ، أي أن حرقهما بالنار اللحظية ليس بديلاً عن العقاب الأبدي في يوم الدينونة ، إذ أن الرب قال عن المدن التي ترفض الإيمان وتطرد رسله القديسين ، أن عقابها سيكون أشد من عقاب سدوم في يوم الدينونة : - [ يكون لسدوم في ذلك اليوم ( أي يوم الدينونة : مت 10 : 15 ) حالة أكثر إحتمالا مما لتلك المدن ] لو 10 : 12 .l أي أن سدوم وكذلك تلك المدن الرافضة للرسل ، ستعاقب جميعاً ، ولكن المدن الرافضة سيكون عقابها أشد . l فإن مستوى العذاب الأبدي يتناسب مع حجم خطية الإنسان ، فالذي رأى المعجزات بعينيه ، ورفض الإيمان ، سيكون عقابه أشد ، لأن : [ من أعطي كثيراً يطلب منه كثير ] لو 12 : 48 . l ولكنه يظل ، على كل المستويات ، إلى أبد الآبدين .
.والتحذير الإلهي من العذاب الأبدي ، يتوازى ويتعادل مع الوعد الإلهي بالنعيم الأبدي ، إذ يقول [ فيمضي هؤلاء ( أي الأشرار ) إلى عذاب أبدي ، والأبرار إلى حياة أبدية ] مت 25 : 46 ، فإن الإثنين هما أبديان ، لأن كفتي ميزان العدل الإلهي ، متساويتان تماماً ، ثواباً وعقاباً .
l كما نلاحظ أن المقابل العكسي للحياة الأبدية ، هو العذاب الأبدي ، أي أن العذاب هو الحالة العكسية للحياة . لأن الموت الروحي ـــ كما سبق ورأينا ـــ ليس هو فناء الروح ، بل إنه هو حالة من الحياة المعكوسة ، هو حياة الظلمة والشر والحقد ، ثم في القيامة ـــ حينما تقوم الأجساد في حالة روحية أيضاً ـــ فإن البشر ( جسداً وروحاً ) سيصبحون مثل الملائكة أو مثل الشياطين ، فينالون النعيم الأبدي أو العذاب الأبدي ، أي الحياة الأبدية أو الموت الأبدي ( الذي هو الموت الثاني ) .

● ولكن الشيطان دائماً يحاول أن يضلل الإنسان ، لكي يبعده عن الطريق الصحيح المستقيم المؤدي للحياة الأبدية ، بأن يقطع العلاقة بين عمل الإنسان وبين مصيره الأبدي :
● فمـرة يضللنا ببدعة الخلاص في لحظة ، بمجرد أن يؤمن الإنسان ، مهما فعل بعد ذلك حتى لو قتل وسرق وزنى ( كما لو كان الله خادماً للخطية ) .
● و مـرة يضللنا ببدعة الفناء في لحظة ، للأشرار ، مهما كانت خطاياهم ، بل وفناء الشياطين بما فيهم إبليس نفسه ! ! ! فلن ينالوا عذابا أبدا ، بل سيتلاشون في لحظات معدودات ، وينتهي الأمر تماما ، وكأن شيئا لم يكن ! ! ! !
●●إنها الوعود الشيطانية الكاذبة .









الرد السادس


شهادة الكتاب المقدس على خلود الروح
1 تعاليم رب المجد :-
( أ ) [ لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ، بل بالحري خافوا من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم ] مت 10 : 28
lهنا يعلن الرب بوضوح ، أن في الإنسان عنصران مختلفان ، أحدهما ( الجسد ) قابل للقتل ، بينما الآخر ( النفس البشرية ) غير قابل للقتل ، أي أنه غير قابل للموت ، أي أنه خالد . ( في اللغة الأصلية : خالد = عديم الفناء ، راجع ملحوظة 12 صفحة 24 )
l وهذا الإعلان الإلهي بفم رب المجد ذاته يغني عن كل إثبات آخر .
l ولكننا سنستمر في تقديم بقية الإثباتات على خلود الروح ، لعل المتشككين يؤمنون .
l وهذا الإعلان الإلهي يتطابق مع إعلان إلهي آخر ، أعلنه رب المجد لرسوله يوحنا الحبيب في سفر الرؤيا . إذ جعله يرى نفوس الشهداء وهم في منتهى الحياة ، في السماء ( رؤ 6 : 9 – 11 ) ، وهو ما سنعرضه في صفحات تالية .
l ونلاحظ هنا أيضاً ، أن الرب لم يقل أن النفس والجسد سيتم تلاشيهما في جهنم ، بل فقط إهلاكهما في جهنم ، وذلك يكون ـــ كما توضح لنا آيات أخرى كثيرة ــــ بالعذاب إلى أبد الآبدين في جهنم النار ، أي بحيرة النار ، الذي هو الموت الثاني ( راجع الرد الخامس ) .
l ولأن النفس البشرية لا يمكن قتلها ، فلذلك يطالبنا رب المجد بعدم الخوف من الذين يقتلون الجسد ، لأن عذابات قتل الجسد ــــ مهما طالت ومهما كانت وسيلتها ــــ هي عذابات مؤقتة وستنتهي حتماً إن عاجلاً أم آجلاً ، فإن الجسد بعد وفاته سيفقد الشعور بأي ألم ، كما أن الروح ستنطلق من الجسد كالعصفور من القفص ، ولن يستطيع المعذبون أن يلاحقوها ، فقد أفلتت نهائياً منهم ومن عذاباتهم .
l وأما العذاب الذي يستحق أن نخاف منه فهو العذاب في جهنم النار الأبدية ، لأنه عذاب لا هروب منه ، لا عاجلاً ولا آجلاً ، وهو للروح والجسد معاً . ( راجع الرد الخامس ـــ الموت الثاني صفحات 39 - 41 ) .
l وهذا الفارق الهائل بين الآلام الوقتية التي تحدث عند قتل الجسد ، وبين الآلام الأبدية في جهنم النار ، هذا الفارق هو الذي يطالبنا رب المجد بأن نعمل له ألف حساب .
وهذا الفارق العظيم ، بين الآلام الوقتية والآلام الأبدية ، هو الذي دفع الشهداء لاحتمال العذاب المرير ، مهما بلغت فظاعته ، لأن هذه الآلام ـــ في النهاية ــــ هي آلام وقتية وستنتهي حتماً ، وهي ــــ لذلك ـــــ أهون آلاف المرات من النار الأبدية التي ليس لها نهاية لا عاجلاً ولا آجلاً .
( ب ) مثل لعازر والغني ( لو 6 : 9 – 31 )
l كلمات رب المجد هي رسالة العهد الجديد ، وهي دستور المفديين ، أي المسيحيين الحقيقيين ، وهي تحمل تعاليم تنير الطريق أمامنا إلى الحياة الأبدية ، بدون إنحراف عن الإستقامة ( أي الأرثوذكسية ) .
l وقد أعطانا رب المجد لمحات محددة بدقة عن حياة وموت كل من لعازر البائس الصابر ، والغني المترفه الأناني والمتحجر القلب l وهدف الرب من هذه المقارنة ، هو أن يوضح لنا أنه توجد علاقة وثيقة جداً بين حياتنا على الأرض وبين حياتنا الأخرى l ومن هذه التعاليم ، ما يلي : -
1- حياة الإنسان ، قبل وأثناء وبعد الوفاة ، هي حلقات متصلة ليس فيها لحظة إنقطاع واحدة . إذ يقول الرب : [ l فمات لعازر l وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم l ومات الغني أيضاً ودفن l فرفع عينيه في الهاوبة ( حرفياً : الجحيم ) ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه ] لو 16 : 22 ، 23
l أي أنها حلقات ، تنتقل فيها الروح البشرية من حالة إلى أخرى ، ومن مكان إلى مكان ، بلا إنقطاع .
(2) كما يعلمنا أن إحساس روح الإنسان لا ينقطع أبداً ، ولا ذاكرتها ، ولا حواسها الروحية من سمع ونظر روحي ... إلخ ، إذ يقول الرب [ فرفع عينيه ... ورأى ] l وإمكانية الرؤية والسمع بالروح ، يتطابق مع رؤيا يوحنا الرسول ، حيث كان بالروح ، ومع ذلك كان يرى ويسمع وكذلك يتطابق مع الاختطاف الذي عاين فيه بولس الرسول الفردوس في السماء الثالثة ، وكذلك يتطابق مع الإختطاف الذي حدث مع حزقيال النبي ، الذي كان يسمع ويرى وهو في الروح ( حز 3 : 12 ، 8 : 1 .... إلخ )
(3) وإستمرار حياة الروح بكامل حواسها ، يشمل الجميع:لعازر والغني وأبينا إبراهيم ، فإنهم جميعاً ماتوا بالجسد ، ولكن أرواحهم لم تمت موت التلاشي ، مثلما قال الرب : [ الجميع عنده أحياء ] لو 20 : 38
(4) كما نلاحظ أن أبينا إبراهيم كان يعلم بكل ما في حياة لعازر والغني على الأرض : [ إذكر أنك إستوفيت خيراتك في حياتك ، وكذلك لعازر : البلايا ] . وذلك يتطابق مع وصف الإنجيل لأرواح القديسين المنتقلين بأنهم سحابة من الشهود ، تحيط بنا ( عب 11 ، 12 : 1 ) ، فإنهم يشاهدوننا ويعرفون أحوالنا ، فإن الحواس الروحية لا تنطمس ، بل تزداد جلاءً .
( 5 ) والهدف الرئيسي من هذا التعليم ، هو التأكيد على وجود تأثير مباشر وفوري ، من حياتنا علي الأرض على حياتنا الأخرى ، وأن الصبر على آلام الزمان الحاضر ، سيصبح رصيداً لنا ، يتحول ــــ عند خروج الروح ـــ إلى راحة وتعزية ، بينما الإنغماس في الملذات والأنانية ، سيؤدي إلى حزن وعذاب .
( 6 ) وهذا المثل يتحدث بالتأكيد عن الدهر الحالي وليس عن زمن القيامة ، بدليل أن الغني كان يطلب إرسال لعازر إلي إخوته الأحياء بالجسد على الأرض ( لو 16 : 27 ــــ 31 ) .
( 7 ) والعذاب الذي يعانيه الغني هو مجرد الإحساس بالعطش بسبب شدة الحرارة ، وأما العذاب الأبدي في الدينونة فسيكون بالإحتراق الحقيقي الدائم إلى أبد الآبدين ، في بحيرة النار والكبريت ، أي جهنم النار ( راجع الرد الخامس ــــ الموت الثاني )
v وأمثال رب المجد وتعاليمه ، كلها مقدسة : وسيلة وغاية ، ولكن البعض لا يفهمون كلامه بسبب عيب فيهم هم .
l وعندما يقول الرب : [ فمات لعازر وحملته الملائكة ] أو عندما يقول : [ مات الغني ودفن ، فرفع عينيه في الهاوية ( حرفياً : الجحيم ) ] l عندما يقول الرب ذلك ، فهل يحق لأي أحد أن يقول لا ، لم تحمل الملائكة لعازر ولم يرفع الغني عينيه في الجحيم ، لأنهما تلاشيا ولم يبقى منهما أي شيء حي ، مثلهما مثل البهائم سواء بسواء !!!! هل يحق لأي أحد أن يقول ذلك !!!!
2 شهادة سفر الرؤيا
l سبق وذكرنا شهادة سفر الرؤيا عن إستمرارية حياة الروح البشرية بعد قتل الجسد ( رؤ 6 : 9 – 11 ) . ( راجع الرد الرابع ـ 5 ـ صفحات 29 – 30 )
lونعيد التذكرة بأن هذه الرؤيا تثبت أن موت الإنسان ليس معناه الفناء والتلاشي ، بل إن في الإنسان روحاً بشرية خالدة تستمر في منتهى الحيوية والوعي والذاكرة . وهي التي قال الرب عنها : [ يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ] مت 10 : 28
إذن فموت الإنسان هو إنفصال الروح البشرية السامية الخالدة ، عن الجسد الترابي القليل القيمة والفاني .
3 شهادة سفر الجامعة : -
أولاً : فكرة تمهيدية عن سفر الجامعة :
l أعطى الله للملك سليمان موهبة الحكمة العالية وكلام الحكم والأمثال ، فأصبح مقصداً لملوك وعظماء عصره ، يعرضون عليه ما يحيرهم من أفكار وشكوك .
l وفي سفر الجامعة ، يجمع كل شكوك البشر ، فيعرضها ويفحصها ويرد عليها ــ إما مباشرة ، أو في مواضع متفرقة ـــ بحسب موهبة الحكمة المعطاة له ، بإرشاد الروح القدس العامل فيه ، لأن الكتاب المقدس كله مكتوب بإرشاد الروح القدس ( أع 1 : 16 ، و 28 : 25 ، 2 بط 1 : 21 ) .
l ومنهاج سفر الجامعة هو منهاج فلسفي ، فهو يتبنى الشكوك ليفحصها ويرد عليها ، للوصول إلى اليقين ، وعن ذلك يقول : [ وجهت قلبي للسؤال والتفتيش بالحكمة ، عن كل ما عمل تحت السماء ] جا 1 : 13 ، كما يقول [ درت أنا وقلبي ، لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً ، لأعرف الشر أنه جهالة والحماقة أنها جنون ] 7 : 15
l ولأنه سفر فلسفي عميق ولا يتبع الأسلوب المدرسي المبسط ( الذي يكون بالسؤال وجوابه مباشرة ) بل إنه يعرض الشكوك البشرية ، مثل خواطر ، متشابكة ومتداخلة مع الردود عليها ، بدون وضع فواصل وحواجز بينهما ، بل يجعلهما على قدم المساواة ، لكي يفرض على طالب الحكمة أن يجتهد ويغوص في معاني كل كلمة وكل جملة ، بحثاً عن الحقيقة المخبأة كالكنز المخفي ، إنه كالأمثال .
lفلذلك ، يلزم ـــــ عند قراءته ـــــ أن ننتبه جداً ، للتمييز بين الشكوك البشرية وبين الردود الملهمة بالحكمة المعطاة له l مسترشدين بمبدأ وحدة الكتاب المقدس كله ، وعدم وجود أي تناقض بين جميع آياته بلا إستثناء ، لأنه كله مكتوب بإرشاد الروح القدس الواحد ( 2 بط 1 : 20 و 21 ) .
v ثانيا : ومن أمثلة الشكوك ، والردود عليها ، في مواضع مختلفة : -
( 1 ) الشك في فائدة الحكمة ذاتها : [ في كثرة الحكمة كثرة الغم ] 1 : 18 ، [ ماذا يبقى للحكيم أكثر من الجاهل ] 6 : 8
l ومن الردود عليها : [ للحكمة منفعة أكثر من الجهل ، كما أن للنور منفعة أكثر من الظلمة ] 2 : 13
( 2 ) الشك في فائدة عمل الخير : [ يوجد صديقون يصيبهم مثل عمل الأشرار ، وأشرار يصيبهم مثل عمل الصديقين ، فقلت ( أي بحسب الفكر البشري ) هذا أيضاً باطل ] 8 : 14 و 15 ، وأيضاً : [ حادثة واحدة تحدث للصديق وللشرير ... هذا أيضاً أشر ما عمل تحت السماء ] 9 : 2 و 3
(( وما يذكره سفر الجامعة هنا ، بحسب الفكر البشري ، هي شكوك موجودة فعلاً عند بعض الناس ، ، الذين كتب عنهم : [ أتعبتم الرب بقولكم من يفعل الشر فهو صالح في عيني الرب ، ، أو أين هو إله العدل ] مل 2 : 17 ، و أيضاً : [وأعاقب الرجال ... القائلين في قلوبهم إن الرب لا يحسن ولا يسئ ] صف 1 : 12 ))
l ومن الردود عليها : [ إتق الله .. لأن الله يحضر كل عمل إلى الدينونة .... خيراً أم شراً ] 12 : 13 و 14 ، وأيضاً : [ الخاطيء وإن عمل شراً مائة مرة وطالت أيامه ، إلا إني أعلم ( لاحظ هنا لغة اليقين وليس الشك ) أنه يكون خير للمتقين الله ... ولا يكون خير للأشرار ] 8 : 12 و13
( 3 ) الشك في صلاح الله ، وفي أعماله ، مما يؤدي للسوداوية : [ كل ما عمل تحت السماء هو عناء ردي ، جعلها الله لبني البشر ليعنوا فيه ] 1 : 13 ، أي أن الله صنع كل شيء لشقاء البشر !!!!! ، وهي أفكار شيطانية تؤدي إلى السوداوية : [ فكرهت الحياة ، لأنه رديء عندي العمل الذي عمل تحت السماء ، لأن الكل باطل ] 2 : 15 ــ 18 ، وأيضاً : [ رأيت المظالم التي تجري تحت السماء ، فهوذا دموع المظلومين ولا معز لهم ، ... فغبطت أنا الأموات ] 4 : 1 و 2 .
l ومن الردود عليها : أن الله [ عمل كل شيء حسناً في وقته . وأيضاً جعل الأبدية في قلبهم ، التي بدونها لا يدرك الإنسان العمل الذي يعمله الله من البداية إلى النهاية ] 3 : 11 ، وأيضاً : [ إن رأيت ظلم الفقير ونزع الحق والعدل في البلاد ، فلا ترتاع من الأمر ، لأن فوق العالي عالياً ، والأعلى ( أي الله العلي ) فوقهما ] 5 : 8
( 4 ) الشك في تميز الإنسان عن الحيوان : [ فليس للإنسان مزية على البهيمة ... من يعلم ( لاحظ لغة الشك ) !!! روح الإنسان هل هي تصعد إلى فوق وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل ] 3 : 19 – 21 .
(( لاحظ أسلوب الشك بحسب الفكر البشري ، وهو ما يشبه كلام الناس بالعامية : أنا إيه عرفني أنا !!! ))
. ومن الردود عليها : [ الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدي ... فيرجع التراب ( أي الجسد ) إلى الأرض كما كان ، وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها ] 12 : 5 – 7 .
ونلاحظ هنا لغة اليقين وليس الشك ، إذ أكد أن الإنسان يتميز بالروح التي أعطاها الله له ، أي أنه يتميز بالخلقة المتميزة التي خلقه الله عليها .
كما أكد أن روح الإنسان لن تفنى مع فناء الجسد الترابي ــــ كالبهائم ـــــ بل ستذهب إلى الله ، أي إلى عالم الروح .
كما نلاحظ إسقاطه لذكر البهائم نهائياً ، عندما أصبح الكلام يعبر عن الحقائق وليس عن الشكوك والمهاترات البشرية .
v وما أكده سفر الجامعة هنا ، يتطابق مع كل أسفار الكتاب المقدس ( لأنها لا تتناقض بل تتكامل ) ، مثل : -
l [ عن قليل يأخذني صانعي ] أي 32 : 22 . وهو ما يتطابق تماماً مع سفر الجامعة : [ ترجع الروح إلى الله ] .
l [ نسر بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب ] 2 كو 5 : 8 ، أي أن الروح ستترك الجسد وتذهب إلى الفردوس عند ربنا يسوع المسيح . وهذا أيضاً يتطابق مع : [ ترجع الروح إلى الله ]
l [ الموت هو ربح ... لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ] في 1 : 22 و 23 . وهو ما يتطابق أيضاً مع كل ما سبق .
ll كما أن ما يقوله سفر الجامعة [ الإنسان ذاهب إلى بيته الأبدي ] يتطابق مع آيات أخرى عديدة ، مثل : [ إن نقض بيت خيمتنا الأرضي ( أي وفاة الجسد ) فلنا في السماء بناء من الله ، بيت ، غير مصنوع بيد ، أبدي ] 2 كو 5 : 22 ، وأيضاً مع المكتوب عن أبينا إبراهيم ، أنه [ كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله ] عب 11 : 10
4 الروح البشرية للسيد المسيح ، لم تموت
l التجسد الإلهي هو إتحاد اللاهوت بناسوت كامل . وهو إتحاد معجزي بغير إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير وبغير إنفصال . فإنه شابهنا في طبيعتنا بكل ما فيها ما عدا الخطية وحدها ( للمزيد : ملحوظات ( 1 ) ، ( 14 ) ) .
l اللاهوت إتحد بناسوت كامل ــــ جسداً وروحاً ـــــ لأنه جاء ليفدي الإنسان كله .
l والموت الذي ماته على الصليب هو إنفصال الروح البشرية عن الجسد البشري ، مثلما في كل البشر .
l علماً بأن اللاهوت ظل متحداً بالجسد والروح حتى بعد إنفصالهما عن بعضهما بالوفاة ، إذ لم ينفصل اللاهوت قط ، لا عن روحه ولا عن جسده ، وذلك مشابه لأن النار المتحدة بقطعتي حديد ملتصقتين ، ستظل متحدة بالقطعتين معاً ، بعد فصلهما عن بعضهما ، فإن إنفصال القطعتين عن بعضهما لن يمنع إستمرار إتحاد النار بكل منهما على حده . ولكن التشبيه مع الفارق .
l ولكن موت المسيح بالجسد ، يختلف من عدة نواح ، عن موت البشر أجمعين : -
1- أنه لم يكن محكوماً عليه ــــ بحسب الطبيعة ــــ بالموت ، لأنه تجسد بمعجزة من العذراء لكي لا يرث خطية آدم ولا حكم الموت الناتج عنها . بل إنه مات عنا . حمل خطايانا نحن ، ومات لكي يحيينا : [ البار من أجل الأثمة ] 1 بط 3 : 18 .
2- موته كان معجزة ، فلم يكن بحسب العوامل الطبيعية للموت ، بل إنه سلم روحه بإرادته وسلطانه هو ، وفي الوقت الذي حدده هو .
وهو قد سبق قبل الصليب وأعلن ذلك : [ ليس أحد يأخذها مني ( أي الروح البشرية ) بل أضعها أنا من ذاتي ( أي أن موته هو بإرادته ). لي سلطان أن أضعها( أي الموت ) ولي سلطان أن آخذها أيضاً( أي القيامة )] يو 10 : 18
3- وهو قد مات فعلاً قبل الأوان الطبيعي بالنسبة للمصلوبين ، حتى أن بيلاطس تعجب : [ فتعجب بيلاطس أنه مات هكذا سريعاً ] مر 15 : 14
l ونفس أحداث الموت كانت عجيبة إذ بعدما أكمل كل شيء ، قال [ قد أكمل ] ثم [ نكس رأسه ] ثم [ سلم الروح ] يو 19 : 30، فإنه موت إرادي تماماً ، فعله في الوقت الذي رآه مناسباً ، وبالطريقة التي أرادها
4- ولأنه ليس محكوماً عليه بالموت ـــــ مثل كل البشر ــــ لذلك لم يكن لإبليس ( سلطان الموت ) سلطان عليه ليقبض روحه البشرية عند خروجها من الجسد ، لذلك قال : [ رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء ] يو 14 : 30
5- إذن ، فإن الرب سلم الروح بإرادته وسلطانه هو ، ولم يكن لإبليس ــــ سلطان الموت ـــــ سلطاناً أن يقبض على روحه البشرية ، بل إنه إنطلق بها لكي يصنع بها الخلاص لمنتظريه ممن ماتوامن أبناء العهد القديم ، ثم فتح الفردوس لهم وللمفديين من أبناء العهد الجديد ، ثم رجع بروحه البشرية إلى جسده البشري ــــ الذي لم يرى فساداً ، أي تعفناً ، لأنه ظل سليماً بقوة اللاهوت المتحد به ــــ ليصنع القيامة العظيمة .
v وعن ذلك يقول الإنجيل : [ مماتاً في الجسد ولكن محيي في الروح ، الذي فيه ذهب فكرز للأرواح التي في السجن ] 1 بط 3 : 18
l [ مماتاً في الجسد ولكن محيي في الروح ] : إذن فالموت لا يصيب إلا الجسد فقط ، وأما الروح فإنها تظل حية l وذلك يتطابق مع تعليم الرب : [ يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ] مت 10 : 28 ، فإن ذلك ينطبق على كل البشر بما فيهم ناسوت رب المجد ذاته ، الذي شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها .
l [ الذي فيه ( أي في الروح ) ذهب فكرز للأرواح التي في السجن ] : أي أن الروح البشرية لرب المجد لم تكن فقط حية ، بل كانت أيضاً طليقة ، فاعلة بقوة اللاهوت المتحد بالناسوت ، إذ ذهب بروحه البشرية ليبشر ـــ بالفداء والخلاص الذي صنعه ــــ للأرواح التي في السجن l وهي البشارة المكتوب عنها أيضاً : [ لأجل هذا بشر الموتى ] 1 بط 4 : 6 ، فإن رب المجد بشر أرواح الموتى بخلاصهم ، إذ حررهم من هذا السجن : سجن أرواح الموتى ، الذي هو هاوية الجحيم .
l والإنجيل يصف هذا المكان ــــ الذي ذهب إليه الرب بروحه البشرية لينقذ منه أرواح الموتى ــــ بأوصاف عديدة ولكنها تعبر عن نفس المكان الروحي الذي كانت تذهب إليه أرواح البشر ، قبل الفداء . l فعن هذا المكان مكتوب : ـــ
e [ ذهب فكرز للأرواح التي في السجن ] 1 بط 3 : 19 .
e [ لأجل هذا بشر الموتى ] 1 بط 4 : 6
e [ نزل أولاً إلى أقسام الأرض السفلى ] أف 4 : 9
e [ من يهبط إلى الهاوية ، أي ليصعد المسيح من الأموات ] رو 10 : 7
e [ لم تترك نفسه في الهاوية ( حرفياً : الجحيم ) ولا رأى جسده فساداً ( أي لم يتحلل ) . ] أع 2 : 31
.أي أنه مكان للأرواح البشرية للذين ماتوا . وهو يسمى : الجحيم ـــ الهاوية ـــ السجن ـــ أقسام الأرض السفلى l كما أنه ـــــ في آيات أخرى ــــ يسمى : الجب ــ الحفرة ... إلخ ، وكلها أوصاف متقاربة .
O وعن هذا الفداء وإنقاذ أرواح البشر الذين ماتوا على الرجاء ، قالت النبوات قديماً : -
e[ بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء ، إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء ] زك 9 : 11 و 12 .
l أسرى الرجاء : هم الذين ماتوا على رجاء الفداء والخلاص ، وهو أطلقهم بدم العهد الجديد ، أي الصليب ، والحصن هو الفردوس الذي ليس فيه خوف ، بل طمأنينة وسلام .
e [ من يد الهاوية ( حرفياً : الجحيم ) أفديهم ] هو 13 : 14
e [ الهاوية مسكن لهم ( أي للأشرار) إنما الله يفدى نفسي من الهاوية ( حرفياً : الجحيم ) لأنه يأخذني ] مز 49 : 15 فالفداء يقتصر على أسرى الرجاء ، أي أرواح الأبرار الذين عاشوا في طاعة وصايا الله ، أما أرواح الأشرار فلم يصعدهم الرب من الجحيم ، بل إستمروا فيه .
e[ الله لنا إله خلاص وعند الرب السيد للموت مخارج ] مز 68 : 20 . هذا المزمور كله نبوءات عن فداء الرب وخلاصه للأسرى ، مثل : [ يقوم الله . يتبدد أعداؤه ... مخرج الأسرى إلى فلاح ، إنما المتمردون يسكنون الرمضاء ( أي : مكان بلا ماء = زك 9 : 11 ) ... صعدت إلى العلاء سبيت سبياً ( = أف 4 : 8 ) ... عند الرب السيد للموت مخارج ... ] إلخ .
v وهو ما قد تحقق في العهد الجديد ، لذلك مكتوب : -
e[ إذ صعد إلى العلا ( أي السماء ) سبى سبياً ( أي أخذ الأرواح التي كانت في السجن ) وأعطى الناس عطايا ( أي الخلاص ونعم العهد الجديد والفردوس ) . وأما أنه صعد فما هو إلا لأنه نزل أولاً إلى أقسام الأرض السفلى ، الذي نزل هو الذي صعد أيضاً فوق جميع السموات ] أف 4 : 8 – 10
l [ سبى سبياً ] : لأنه إنتزعهم إنتزاعاً من قبضة سلطان الموت ، بقوته وإقتداره ، بفدائه العجيب .
l [ أعطى الناس عطايا ] : أعطى للأرواح التي في السجن أن تتحرر من قبضة سلطان الموت ، وتنطلق إلى الفردوس ، كما أعطى أبناء العهد الجديد عطايا الميلاد الثاني والقيامة معه من الموت ، وأنعم عليهم بألا يذهبوا إلى الجحيم ، بل يصعدوا إلى الفردوس مباشرة .
l [ فوق جميع السموات ] : لأن الفردوس هو في السماء الثالثة ( 2 كو 12 : 2 و 4 )
v إذن فإن الأرواح البشرية لا تفنى ، فلم تفنى الروح البشرية للرب ، كما أن أرواح البشر الذين ماتوا لم تفنى ، بل ظلت في السجن ، حتى أطلق الرب منهم أسراه ، أي أسرى الرجاء ، الذين ماتوا على الإيمان وعلى الرجاء في خلاصه .
كما أن هذه الأرواح كانت في كامل الوعي بما يمكنها من إستقبال بشارة الخلاص والصعود مع المسيح إلى العلاء ، إلى الفردوس .
v وبخصوص ذلك المكان الذي يصفه الكتاب المقدس بأوصاف الجحيم والهاوية والسجن وأقسام الأرض السفلى والجب .... إلخ : فإنه مكان روحي ولا يمكن أبداً أن يكون هو القبور المادية لأجساد الموتى .
l فهو المكان الذي كانت فيه أرواح الموتى وذهب إليهم الرب بروحه البشرية لكي يخلصهم ( 1 بط 3 : 19 و 4 : 6 ) أي أنه مكان خاص بالأرواح فقط .
l وهو في [ أقسام الأرض السفلى ] أف 4 : 9 ، أي في أعماق سحيقة جداً ، وليس في القبور المادية التي في متناول اليد .
l وأكبر دليل على أن هاوية الجحيم هو مكان روحي وليس هو القبور المادية للأجساد ، هو أن الإنجيل أعطانا وصفاً واضحاً للقبر الذي دفن فيه جسد الرب ، فقد كان على وجه الأرض وليس في أقسام الأرض السفلى ( أي الأعماق السحيقة جداً ) ، بل كان منحوتاً في صخرة ، أي في تكوين صخري فوق الأرض ، وكان في بستان أي على وجه الأرض ، وكان له باب يمكن الدخول والخروج منه بسهولة حتى للنسوة ( مر 15 : 46 ، 16 : 3 ـ 8 ، يو 19 : 41 ، لو 24 : 3 ، مت 27 : 60 ) .
l إذن فالقول بأن الهاوية والجحيم وأقسام الأرض السفلى والسجن ، أنهم مجرد أوصاف للقبور المادية للأجساد ، هو إدعاء مخالف للحقيقة الواضحة ، ويتناقض مع التفكير المنطقي .
5 وعد الرب الصادق للص اليمين
l بالرغم من العذاب الرهيب ، رأى اللص اليمين الحقيقة وهو معلق على الصليب ، فإعترف بخطاياه و ببر المسيح ، مما قاده للإيمان بالمسيح ملكاً ، فطلب منه أن يذكره في ملكوته ( لو 23 : 42 ) .
عظماء وعلماء اليهود رأوا المسيح يقيم لعازر من الأموات بعدما أنتن ، ومع ذلك إظلم قلبهم وتآمروا عليه ، أما هذا اللص البائس ، فلم يرى المسيح إلا مهاناً مصلوباً ، ومع ذلك إعترف بالحق من جهة خطيته وبر المسيح ، فقاده الحق إلى الإيمان حتى في أصعب اللحظات .
l لذلك ، فقد تقبل منه الرب توبته و إعترافه ، جاعلاً موته ، شركة فعلية في الموت على اسمه القدوس ، وقد وعده بإدخاله ــــ فوراً ــــ إلى ملكوته ، قائلاً له : [ الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس ] لو 23 : 43
.فإن ملكوت المسيح قد بدأ فعلاً من لحظة إتمامه الخلاص على الصليب ( للمزيد الرد الخامس – 3- صفحة 38 )
.إن وعد المسيح للص اليمين ، هو وعد صادق لا غش فيه ، إذ قد تحقق فعلاً فى نفس اليوم، ودخل الفردوس – كما قال الرب – فى نفس اليوم l فقبل وفاة اللص اليمين ، كان الرب قد سلمَ الروح وأكمل الفداء وأبطل سلطان الموت على المؤمنين به ، ونقلهم إلى ملكوته : [ الذى أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ] كو ا : 13
.وهكذا أنقذ المؤمنين من الجحيم ، إتماماً لوعده للكنيسة أن [ أبواب الجحيم لن تقوى عليها ] مت 18:16 وفتح الفردوس الذى سبق ـــ قبيل الصليب مباشرة ـــ وقال للتلاميذ أنه ذاهب لإعداده : [ أنا أمضى لأعد لكم مكاناً ] يو 2:14
.وهكذا ـــ وقبيل موت اللص اليمين ـــ كان الرب قد أكمل الفداء وذهب إلى الأرواح التى فى السجن ، أى الجحيم ، فحررهم وقادهم إلى الفردوس ، وجعله مفتوحاً للمؤمنين به فيما بعد ، فلا يذهبون إلى الجحيم ، بل إلى الفردوس مباشرة .
.وعند موت اللص اليمين ( وكان ذلك متأخراً ، حتى أن الجنود كسروا سيقانه مع اللص الآخر، بينما كان الرب قد سلَم روحه قبل ذلك بمدة ، فلم يجد الجنود داعياً لكسر ساقيه ، تنفيذاً للتدبير الإلهى المذكور فى النبوءات ) ،كان الفداء قد تم ، فذهب بروحه مباشرة إلى الفردوس ، مع المسيح ، كما وعده .
6 ظهور الرب بعد القيامة للتلاميذ
. [ وفيما هم يتكلمون بهذا ، وقف يسوع نفسه فى وسطهم وقال لهم سلام لكم ، فجزعوا وظنوا أنهم رأوا روحاً ، فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار فى قلوبكم . انظروا يدىَ ورجلىَ . إنى أنا هو ، جسونى وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لى ] لو 26:24 – 43
لم يكونوا بعد قد استوعبوا معنى قيامته من الأموات ، بل كانوا – بالكاد – يتناقشون عن هذا الأمر .
لذلك اعتقدوا أن ما يرونه ليس هو الرب بجسده وروحه معاً ، بل إنه جاء إليهم بروحه فقط ، خصوصاً وأنه دخل والأبواب مغلقة ( يو 19:20 ) وهم لم يكونوا بعد يعرفون معنى الجسد الممجد اللا مادى . l الذى رأوه هو الرب فعلاً بروحه وجسده الممجد ، هو نفس الرب الذى يعرفوه جيداً ، بنفس هيئته ، l ولكنهم لم يصدقوا أنفسهم لأنهم يعرفون أنه مات ودفن جسده فى القبر ، وهاهو يقف أمامهم الآن بنفس شكله وهيئته !!! فمن هو هذا ؟؟؟ l لو كان قد تركهم حيَاً ، لظنوا أن ما يرونه الآن هو خيال وليس حقيقة ( مت 26:24 ) . l ولكنهم – الآن – يعلمون أنه مات بالجسد وأن روحه خرجت من الجسد وأصبحت هى الشىء الوحيد الباقى حياً ، وهى الشىء الوحيد الذى يمكن أن يظهر لهم ، لذلك لم يكن بإمكانهم أن يظنوا أن ما يروه هو أى شئ آخر إلا روحه البشرية . وهو ما حدث فعلاً l وإعتقاد التلاميذ بأن ما يرونه هو روح بدون جسد ، هو دليل على أنهم كانوا يؤمنون بوجود الروح البشرية كعنصر قائم بذاته داخل الجسد ، وأنها تخرج من الجسد عند الوفاة وأنها تستمر حيَة بعد موت الجسد . كما أن الرب لم ينكر وجود الروح ، بل أكدها بنحديد الفارق بينها وبين الجسد : [ الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي ] .
7 الموت هو انطلاق الروح
l أنعم الله على بولس الرسول وهو بعد فى الجسد ، بأن يعاين نعيم الفردوس السمائي ، وعن ذلك يقول ( بأسلوب يخفى به ذاته ، تواضعاً ) [ أعرف إنساناً فى المسيح ، قبل أربعة عشر سنة أفى الجسد ( أى الروح فى الجسد معاً ) لست أعلم ، أم خارج الجسد ( أى بالروح فقط ) لست أعلم ، الله يعلم ، إختُطفت إلى الفردوس ، وسمع كلمات لا ينطق بها ….. ] 2 كو 1:12 – 4 .
l ومن ذلك ، تتكشف لنا حقائق كثيرة مثل : -
(1) الاختطاف إلى السماء ، قد يحدث بالروح والجسد معاً : [ فى الجسد ] وقد يحدث للروح فقط بدون الجسد : [ خارج الجسد ] .وهو – فى الحالتين – معجزة يعملها الله لقديسيه من أجل هدف معين l وأما الانفصال الطبيعى للروح عن الجسد ، فلا يحدث إلاَ عند الوفاة ، ويكون بلا رجوع ، إلاَ إذا أمر الله بذلك ، مثلما مع إبنة يايرس ، التى سمىَ الرب موتها بأنه نوم ، لأنه سيقيمها ، ثم أمرها بالقيام : [ فرجعت روحها وقامت ] لو 51:8 – 55 ، ومثلما مع لعازر ( يو 1:11 – 44 )
((( l ومن الأمثلة على الاختطاف بالروح فقط بدون الجسد ، ما حدث للقديس يوحنا الرسول : [ نظرت وإذا باب مفتوح فى السماء ، والصوت الأول الذى سمعته كبوق يتكلم معى قائلاً إصعد إلى هنا فأريك ما لابد أن يكون بعد هذا ، وللوقت صرت فى الروح ، وإذا عرش موضوع فى السماء … ] روء 1:4 ، 2 l ونلاحظ هنا ان يوحنا الرسول كان يعرف أنه صعد إلى السماء بالروح فقط ، ومن سير القديسين السوَاح ، نفهم أن القديس لا يعرف أنه انتقل بالروح فقط إلا إذا تصادف ورأى نفسه منفصلاً عن جسده ، هو فى ناحية وجسده فى ناحية l وهو ما لم يحدث للقديس بولس الرسول، لذلك لم يجزم إن كان اختطف بالجسد والروح معاً أم بالروح فقط ))) .
(2) على كل حال ، فإن ما يذكره القديس بولس الرسول ، يدلَ على أن إحساس وإدراك وتفكير الإنسان لا يتغير ولا يتأثر بوجوده : فى الجسد ، أم خارج الجسد .
(3) وهو اختطفت إلى الفردوس ، دليلاً على أن الفردوس مفتوح فعلاً ، و هو ما عرفناه سابقاً من وعد الرب الصادق للص اليمين ، بأن يكون معه فى الفردوس ، يوم جمعة الصلب ، فإنه وعد صادق وقد تحقق فعلاً ، لأن الرب أعد الفردوس بفدائه وفتحه للمفديين ، وظل مفتوحاً منذ تلك اللحظة .
(4) وفى هذا الاختطاف للفردوس ، عاين بولس الرسول أشياء مفرحة جداً ، وصفها فى موضع آخر بأنها : [ ما لم ترى عين ، ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ، ما أعده الله للذين يحبونه ] اكو 9:3 .
(5) وبسبب هذه الأفراح السماوية الجميلة جداً ، أصبح القديس بولس يشتاق إلى الإنحلال من رباطات الجسد والانطلاق إلى الفردوس ، ليبقى مع المسيح دائماً : [ لىَ اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح ، ذاك أفضل جداً ] فى 23:1
.أنه لا يشتهى موت الفناء والتلاشى ، بل أنه يشتهى : الانطلاق ، ليكون مع المسيح ، لأن : ذاك أفضل جداً .
.فهو لا يشتهى الموت يأساً ولا هرباً من مسؤليات الحياة ، لا ، بل إنه ـــ على العكس ـــ متمسك جداً بالحياة فى الجسد ، بإعتبارها تكريساً للمسيح : [ لىَ الحياة هى المسيح ] ، وأيضاً لخدمة شعب المسيح : [ أن أبقى ، ألزم من أجلكم ] l وبالإضافة لذلك ، فإنه يشعر بإحتياجه إلى الحياة فى الجسد ، لكى يزرع ما سيحصد ثمره فى الأبدية ، فهى فرصة لا تعوَض لعمل ثمر أكثر : [ هى لى ثمر عملى ] .
l ولكنه ـــ مع كل ذلك التقدير للحياة فى الجسد ـــ يشتهى الانطلاق إلى المسيح ، لأن ذاك أفضل جداً .
.فإنها مقارنة بين شيئين ، كليهما صالح وخير :-
. [ لى الحياة هى المسيح ، والموت هو ربح . ولكن إن كانت لى الحياة هي ثمر عملى ، فماذا أختار ، لست أدرى فإنى محصور من الاثنين ، لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح ، ذاك أفضل جداً ، ولكن أن أبقى فى الجسد الزم من أجلكم ] فى 21:1 – 24 .
. [ الحياة فى الجسد ] ، [ أبقى فى الجسد ] …
. [ أنطلق وأكون مع المسيح ] ، [ الموت هو ربح ] إنه يقارن بين حالين يمكن حدوثهما الآن ، أحدهما هو الحياة فى الجسد ، والآخر هو الانطلاق من الجسد ـــ أى الموت بالجسد ـــ والذهاب إلى حيث المسيح . l أليس هذا دليل قاطع على أن الروح لا تتلاشى ولا تفنى مع موت الجسد !!!
.خصوصاً وأنه أوضح ـــ فى موضع آخر ـــ أنه اختُطف إلى الفردوس ، وأن ذلك قد يكون بدون الجسد ، أى بالروح فقط ، وأنه عاين هناك أشياء رائعة ( ا كوا 9:3 ، 2 كو 4:12 ) .
v وهو فى هذه المقارنة بين البقاء فى الجسد وبين الانطلاق إلى المسيح ، لا يقصد الكلام عن المجئ الثانى ولا عن إختطاف المجئ الثانى الذى سيكون بالجسد والروح معاً . بدليل أنه يعتبر أن انطلاقه سيمنعه من الاستمرار فى خدمة شعب المسيح ، أى أنه يتكلم عن انطلاقه هو وحده ، وليس عن الاختطاف العام ، فإن الإختطاف ـــ فى المجئ الثانى ـــ سيحدث للجميع معاً فى نفس اللحظة ( 1 تس 17:4 )وسيكون للجسد والروح معاً ( 1 كوا 51:15 و 52 ) .
vومن هذه المقارنة ، نتعلم أيضاً أن الحياة فى الجسد ، بالرغم من الحروب والصعوبات ، إلا أنها نعمة عظيمة وفرصة لتكملة قانون توبتنا ، حتى تصبح نفوسنا : [ عذراء عفيفة للمسيح ] 2 كو 2:11 ، وفرصة للاجتهاد فى كل عمل صالح ، لكى نملأ آنيتنا زيتاً ، مثل العذارى الحكيمات ( مت 1:25 - 13 ) ، وأن نتمم خدمتنا ، مثل بولس الرسول ، وأيضاً مثل بطرس الرسول الذى بعدما بشَره الرب بقرب انطلاقه ، ازداد إجتهاداً فى الخدمة ( 2 بط 13:1 - 15 ) ، لأنها فرصة ثمينة للعمل الذى سيحصد ثمره فى السماء .
إذن : الموت هو انطلاق الروح



















الرد السابع


عنصران مختلفان ومتصارعان

? الجسد والروح هما عنصران مختلفان ، ولكن خالقهما واحد : [ الذى صنع الخارج صنع الداخل أيضاً ] لو 11: 40
vبسبب إختلافهما ، فإن الكتاب المقدس يسميهما بأسماء متضادة ، الواحد عكس الآخر تماماً :-
( أ ) الجسد البشرى ويسميه : الإنسان الخارجى ، أو المسكن الترابى ، أو الإناء الفخارى أو الخزفى أو الطينى ( الخزف هو تراب أو طين ، بعد إدخاله الفرن ) ، او الخيمة الأرضية بمعنى المسكن المؤقت الترابى . l وهو الكيان المادى المخلوق من تراب الأرض ، مثله مثل بقية السلالة الأرضية.
( ب ) الروح البشرية ، ويسميها : الإنسان الداخلى ، أو إنسان القلب ، او الإنسان الباطن ، أو الداخل ، أو القلب ، أو الباطن 000 إلخ . l وهو الكيان السامى النورانى ، المماثل للملائكة
vوهذه الحقيقة تؤكدها آيات كثيرة جداً ، ولتسهيل عرضها سنقسمها إلى مجموعات ، كما يلى:-
أولاً : الجسد مسكن مؤقت للروح
e الكتاب المقدس يشبه الجسد البشرى بالإناء الترابى ( فخار . خزف . طين . تراب … ) l بينما يشبه الروح البشرية بأنها المحتوى الداخلى الثمين الموجود فى داخل هذا الإناء الترابى الرخيص .
eكما يؤكد أن الروح ستنطلق إلى عالمها الروحانى الخاص بها ، عندما يُنقض – بالموت – ذلك الإناء الترابى . كمثل انطلاق الفراشة من الشرنقة أو العصفور من القفص .
e ومن الآيات التى توضح ذلك :-
( 1 ) [ لنا هذا الكنز فى أوان خزفية ] 2 كو 7:4 .
l الكنز هو المواهب الروحية الممنوحة لأرواحنا .
l وهى فى أوان خزفية ( الخزف مادة ترابية ) ، لأن أرواحنا ــــ بكل ما تحمله من مواهب روحية ـــ ما تزال تسكن فى أجسادنا الترابية .
l ووصف أجسادنا بالأوانى الخزفية ( أى الترابية ) يتطابق مع وصفنا بأننا : [ سكان بيوت من طين ] أى 16:4 فالخزف والطين كلاهما تراب . l فنحن أرواح بشرية تسكن فى أجساد ترابية . l وسيأتى الوقت الذى فيه تنسحق هذه الأوانى الترابية وتعود لأساسها الترابى ، وتعود أرواحنا لعالمها الخاص ، بما تحمله من كنز .
( 2 ) [ لذلك فلا نفشل ، بل وإن كان إنسانناً الخارجى ( أى الجسد الترابى ) يفنى ، فالداخل ( أى الروح البشرية ) يتجدد يوماً فيوماً ] 2 كو 16:4 .
l إن حقيقة ترابية إنساننا الخارجى ، أى الجسد ، مع سمو الروح الذى بداخله ، وأن هذه الروح هى حاملة كنز المواهب الروحية (7:4) ، هو العزاء لنا فى ضيقاتنا ، لأن نار التجارب لن تقدر أن تفنى أرواحنا ، بل بالعكس ، إنها ستنقيها – كالذهب من الشوائب – حتى تعود جديدة تماماً.
l لذلك فإن الإنجيل بعد تذكيره لنا بترابيتنا ( 7:4 ) يدعونا إلى الرجاء وعدم الفشل ، لأن الاضطهادات ستفني الجسد فقط ، وأما الروح العديم الفناء ، فإنها ستستفيد من هذه الاضطهادات .
vإذن فالإنجيل يعلن هنا بكل وضوح أن الفناء هو للجسد فقط [ إنساننا الخارجى يفنى ] وأما الروح فإنها عديمة الفناء ، بل تتجدد [ الداخل يتجدد ] .
l وذلك يتطابق تماماً مع آيات كثيرة أوردناها سابقاً ، مثل : [ يقتلون الجسد ، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها ] مت 28:10 ، وأيضاً : [ مماتاً فى الجسد ، ولكن محيىَ فى الروح ] 1 بط 18:3 …… الخ
l لذلك فإن المسيحيين لم يخافوا من الاضطهادات ومن قتل أجسادهم وفنائها ، لأنها تراب لا يستحق البكاء عليه ، بينما الروح ـــ حاملة الكنز ـــ فإنها لن تفنى أبداً ، بل سيؤول لها ذلك إلى خلاص ( فى 19:1 ) .
( 3 ) [ ونحن مستوطنون فى الجسد ، فنحن متغربون عن الرب ، لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان … فنثق ونسر بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب ] 2 كو 5 : 6 – 8 .
l وبعدما ذكرنا الإنجيل بكنوز الروح وبترابية الجسد (4 : 7 ) ، ثم بعدما ذكرنا بعدم فناء الروح ـــ مع الجسد ـــ بل أنها بالعكس تتجدد ( 16:4 ) ، فإنه ـــ هنا مباشرة ـــ يذكرنا بأن الوطن الحقيقى لنا ، ليس هنا على هذه الأرض الترابية الفانية بكل ما عليها ، بل إن وطننا الحقيقى هو عند ربنا وإلهنا يسوع المسيح ، فى الفردوس ، لذلك فإننا نفرح ونسر بالخروج من هذا الجسد ـــ بالوفاة ـــ حتى تنتهى غربتنا ونذهب إلى وطننا الحقيقى الذى نشتاق إليه : - [ لى اشتهاء أن أنطلق .. ] .
( 4 ) [ أطلب إليكم ـــ كغرباء ونزلاء ـــ أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التى تحارب النفس ] 1بط 11:2 .
l الإنجيل هنا يحدثنا بنفس التعبيرات والألفاظ ، فى رسائل بطرس الرسول مثلما فى رسائل بولس الرسول ، لأن الكتاب المقدس كله مكتوب بإرشاد الروح القدس ( 2 بط 20:1 و 21 ) .
l فهنا يخاطبنا الروح القدس ، كغرباء ، لأن وطننا الحقيقى هو فى السماء . l و : نزلاء ( أى سكان مؤقتون ) لأن إقامتنا فى الجسد هى لفترة مؤقتة l ثم يطلب منا ـــ لذلك ـــ أن نبتعد عن الشهوات الجسدية التى تحارب النفس ، لأن النفس البشرية هي العنصر الثمين المهم في الإنسان ، وكل ما يحاربها يجب أن نبتعد عنه فوراً ، حماية لها .
( 5 ) [ إن خلع مسكنى قريب ، كما أعلن لى ربنا يسوع المسيح ] 2 بط 14:1 .
l لأن إقامتنا فى الجسد هى غربة ولفترة مؤقتة : [ كغرباء ونزلاء ] 1 بط 11:2 ، لذلك فإن القديس بطرس الرسول يُسمى الوفاة بأنها خلع المسكن ، أى أنها مجرد تغيير مسكن سيتم هدمه إلى مكان آخر هو [ أفضل جداً ] فى 23:1 ((( لأنه : [ إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا فى السموات بناءٌ من الله بيت غير مصنوع بيد أبدى ] 2 كو 1:5 ، إنها المدينة التى بانيها الله ( عب 10:11 ، 16 ) التى أعدها مثلما قال [ أنا أمضى لأعد لكم مكاناً . . . حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً ] يو 2:14 و 3 ، ولذلك فإن بولس الرسول يقول : [ لى اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح . ذاك أفضل جداً ] فى 23:1 ))) .
l وإعلان الرب لبطرس الرسول بموعد انتقاله ، يذكرنا ببشارته للص اليمين : [ اليوم تكون معى فى الفردوس ] لو 23:23 ، فإن الرب يبشره بذلك ليمنحه السرور : [ نسر بالأولى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب ] 2 كو 8:5
l ولأن اقامتنا فى الجسد هى غربة : [ كغرباء ونزلاء ] ، لذلك مكتوب : [ ليس لنا هنا مدينة باقية ، لكننا نطلب العتيدة ] عب 14:13 ، إننا نطلب المدينة السماوية حيث نكون مع المسيح لأن ذاك أفضل جداً ، مثلما كان القديسون قديماً : [ يبتغون وطناً أفضل ، أى سماوياً ] عب 16:11 .
ثانيا : اختلاف طبيعة الروح عن الجسد
يؤدي للصراع بينهما
l الصراع ينشأ من وجود قوتين حقيقيتين تعملان ضد بعضهما ، وبدون ذلك ينعدم الصراع .
l الجسد من السلالة الأرضية الترابية التي يتوقف إستمرار بقائها على الأكل والشرب والتناسل وحماية الذات ضد الأخطار . لذلك يبذل كل قوته في التكالب عليها .
l الروح هو نوراني لا مادي ، ينتمي إلى عالم الأرواح التي يتوقف إستمرار نورانيتها على الإلتصاق بالله ، بطاعة وصاياه : [ من يحب أخاه يثبت في النور ] 1 يو 2 : 10
بينما عصيان وصايا الله ، والإنغماس في الشهوات الجسدية التي تحارب النفس ( 1 بط 2 : 11 ) ، تؤدي لإبعاد الإنسان عن الله ، فيمتلئ ظلاماً : [ من يبغض أخاه فهو في الظلمة ... الظلمة أعمت عينيه ] 1 يو 2 : 11 ، وذلك هو الموت الروحي ( راجع الرد الخامس صفحة 31 ) .
v إذن ، فإزدهار حياة الجسد ، وإزدهار حياة الروح ، يتعارضان ، فكلما زاد أحدهما ، نقص الآخر . . لذلك فإنهما يتصارعان ضد بعضهما : l فإما ينتصر الروح ، بأن يقمع الجسد ويستعبده ويخضعه لإرادته ، فتصير تصرفات الإنسان كلها تتجه في الإتجاه الروحي .
l وإما أن ينتصر الجسد ، بأن ينفذ كل ما يحلو له من شهوات وملذات ، ويحتقر ويرفض كل مشورات ورغبات الروح ، فتصير تصرفات الإنسان كله ، تميل إلى الجسدانية .
l وقد لا ينحسم الأمر نهائياً بينهما ، فيظل الصراع بينهما .
vوعن هذا الصراع ، وضرورة الجهاد الروحاني لقمع طغيان شهوات الجسد ، مكتوب :
( 1 ) [ إسلكوا بالروح ولا تكملوا شهوة الجسد ، لأن الجسد يشتهي ضد الروح ، والروح ضد الجسد ، وهذا يقاوم أحدهما الآخر ] غل 5 : 16 و 17 .
$ الإنجيل هنا يعلن بكل وضوح ، أن الروح والجسد هما عنصران حقيقيان ، وأن لهما إرادتين مختلفتين ورغبات مختلفة . وما داما يقاومان أحدهما الآخر ، أي يتصارعان ، فإنهما كيانان حقيقيان ، لهما قوى حقيقية متضادة ، حتى أن الإنجيل يشير إليهما بكلمة [ هذان ] . إذن فإنهما كيانان حقيقيان بلا أي شك
$ والإنجيل يأمرنا بأن نسلك بحسب إرادة الروح وأن نضع حدوداً لشهوات الجسد بحيث لا تتعدى وصية الله ، فلا أعطيه إلا إحتياجاته الحقيقية ، في الوقت المناسب ، فنأكل لنعيش ، لا أن نعيش لنأكل .
l وعن هذا الجهاد الروحي ، يقول القديس بولس الرسول : [ أقمع جسدي وأستعبده ، حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً ] 1 كو 9 : 27 . لأن إعطاء الجسد أكثر من ضرورياته ، سيجعله مثل الثور المعلوف الهائج في شهوانيته وفي عدوانيته ، ومثل ذلك الإنسان يعجز عن قمع الرغبات المنحرفة الخاطئة ، فيسقط في الخطايا ويصير مصيره الرفض من الله العادل ، الذي ليس عنده محاباة ولا حتى لبولس الرسول نفسه l فحتى لو كانت بداية ذلك الإنسان جيدة وروحية : [ أبعدما إبتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد ] غل 3 : 3 فإن العبرة بالنهاية : [ الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص ] مت 24 : 13 .
l ولكن قمع الجسد ليس معناه أن نقتل الجسد ، كما أنه لا يعني أن نحرم الأشياء التي قدّسها الله ــــ مثل الأطعمة المختلفة ومثل الزواج ــــ أو أن نعتبرها دنسة بطبيعتها ، مثلما كانت تدعي بدعة ماني l بل إنها جميعاً مقدسة ، ولكننا قد نمتنع عنها بالصوم أو البتولية والرهبنة ، ليس لأنها نجسة ، بل تقشفاً ونسكاً ، والشيء المهم هو أن تكون كل هذه الأشياء مضبوطة بقوانين الله ووصاياه . فإن الخروج عن القوانين الإلهية هو الخطية .
ثالثاً : الجسد ليس للخطية
l خلق الله كل شيء حسناً ، فهو لم يخلق شياطيناً ، بل خلق ملائكة نوارنيين ، ولكن بعضهم إنحرفوا بإرادتهم فسقطوا وصاروا شياطيناً .
l كذلك أيضاً ، لم يخلق الله الإنسان فاسداً بطبيعته ، بل خلقه على صورته في القداسة والنورانية ، ولكن الإنسان بإرادته أخطأ ففقد نقاوة قداسته ونوارنيته ، ودخلته الخطية والظلمة ، فسقط روحاً وجسداً معاً .
l ثم إنتقلت هذه الحالة المرضية ، من آدم إلى كل نسله ، مثلما ينتقل الفيروس من الأب لأولاده.
وعن ذلك يقول الإنجيل : [ بإنسان واحد ( أي آدم ) دخلت الخطية إلى العالم ] رو 5 : 12 .
((( ملحوظة 14 : ولذلك السبب ، فإن الله الكلمة لم يتجسد في ناسوت عادي ، بل تجسد بمعجزة عجيبة ، من عذراء ، لكي لا يصبح ناسوته وارثاً للخطية . لأنه لا يليق بالله القدوس أن يتجسد في جسد يحمل الخطية . وبالإضافة لذلك ، فإن التجسد في ناسوت حامل للخطية ـــ وبالتالي محكوم عليه بالموت ـــ كان سيعوق الفداء ، لأنه سيتعارض مع قانونية عمل الفداء ، لأن الواقع تحت الحكم لا يمكنه أن يفتدي الآخرين منه ، وفاقد الشيء لا يعطيه l ولكن ـــ في نفس الوقت ـــ كان يتحتم أن يتم عمل الفداء من خلال الناسوت البشري لكي تكون نيابته عنا في حمل خطايانا ، هي إنابة قانونية لا غش فيها ، لأن الله القدوس يصنع كل شيء بالحق ، لأنه هو الحق ولا يمكن أن يوجد فيه أي مخالفة أو تعدي على الحق l لذلك فإن الحكمة الإلهية أوجدت حلاً لذلك ، بأن هيأت جسداً معجزياً من العذراء ، يشبهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها ، وهكذا تصبح نيابته عنا ، قانونية وبالحق
l وهكذا ، بهذا التجسد الإلهي المعجزي ، أصبح له : [ شبه جسد الخطية ] رو 8 : 3 ، وليس جسد الخطية نفسه ، فهو يشبهه في كل شيء ما عدا في الخطية فقط . ولذلك مكتوب أنه : [ مجرّب في كل شيء مثلنا ( حرفياً : كشبهنا ) ، بلا خطية ] عب 4 : 15 ، فهو شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية وحدها ، شابهنا في التعرض الكامل لتجربة الألم الجسدي والنفسي ، فهو جاع وعطش بحسب الجسد ، وهو حزن وإضطرب بحسب المشاعر الإنسانية ، حتى أنه بكى من شدة التأثر . ولكنه يفترق عنا ـــ نحن الخطاة أجمعين ـــ في أنه هو وحده بلا خطية . l البشر أجمعون ، بلا إستثناء ، هم خطاة ، مولودون حاملين ميراث الخطية ، لذلك مكتوب : [ بالإثم صورت وبالخطية حبلت بي أمي ] مز 51 :5 ، أي أن الخطية تورث للإنسان منذ تكوينه ، لأنه يرثها من أصله الأول : آدم ، وعن ذلك مكتوب : [ بإنسان واحد ( أي آدم ) دخلت الخطية إلى العالم ] رو 5 : 12 ، وعن نتائج هذه الخطية الموروثة من آدم ، مكتوب : [ بخطية الواحد ( أي آدم ) قد ملك الموت ] رو 5 : 17 وأيضاً : [ بمعصية الواحد جعل الكثيرون عصاة ] رو 5 : 19 .
l وبالإضافة للخطية الموروثة ، فهناك الخطايا الكثيرة التي نفعلها نحن ، بالوعي أو بالسهو ، l ومن يدعي أنه بلا خطية ، يضل نفسه : [ إن قلنا أنه ليست لنا خطية ، نضل أنفسنا وليس الحق فينا ] 1 يو 1 : 8 ، وأيضاً : [ إن قلنا أننا لم نخطئ ، نجعله كاذباً ، وكلمته ليست فينا ] 1 يو 1 : 10 . l وأما الوحيد الذي بلا خطية ـــ لا موروثة ولا معمولة ـــ فهو الله المتجسد ، الذي هو وحده : [ ليس فيه خطية ] 1 يو 3 : 5 أي أن عنصر الخطية غير موجودة فيه على وجه الإطلاق ، لأنه هو صاحب الناسوت المعجزي ، وإلا فما هو الداعي لهذا التجسد المعجزي ؟؟؟ ، ولذلك أيضاً مكتوب أنه : [ قدوس بلا شر ولا دنس ] عب 7 : 6 ، ولذلك فإنه : [ حمل بلا عيب ولا دنس ] 1 بط 1 : 9 ، أي أنه ذبيحة كلية القداسة ، للتكفير عن خطايا العالم كله : [ حمل الله الذي يرفع خطية العالم ] يو 1 : 29 . فإنه ـــ وهو البار القدوس ـــ تألم عن خطايانا نحن الخطاة الأشرار : [ البار من أجل الأثمة ] 1 بط : 3 : 18 l والذي يتغافل عن هذه الحقيقة ، عليه أن يراجع نفسه ، فيتذكر أنه هو الأثيم وأن المسيح هو وحده البار القدوس الذي تحنن علينا ورفع عنا آثامنا l وأما الذي يصمم على إنكار ذلك ، فإن الإنجيل يصفه بأنه : [ أعمى قصير البصر ، قد نسي تطهير خطاياه ] 2 بط 1 : 9 .)))
vنعود إلى ما بدأناه من أن الله خلق الإنسان مقدساً وأن الخطية دخلت فيه بإرادته هو .
فإنه ــــــ نتيجة للسقوط في العصيان ــــ دخلت الظلمة في الإنسان ، بروحه وجسده معاً ، ثم أن الكثيرين إنساقوا للمزيد من الخطايا المتنوعة ، حتى أن البعض وصل إلى درجة العمى الروحي ، فوظفوا قواهم الروحية العظيمة ، في خدمة الخطايا المختلفة ، فأصبحوا في بهيمية أكثر من البهائم الأعجمية ذاتها ، التي هي بطبيعتها ــــ مولودة للذبح والصيد والفناء ( 2 بط 2 : 2 : 12 + تك 9 : 2 ، 3 + يه 10 + رو 1 : 26 ، 27 ) .
ولقد تجسد الله لكي يفدينا ويشفينا من مرض الخطية وهذه الظلامية والعمى الروحي ، لكي نعود إلى حالتنا الأصلية التي خلق الله عليها آدم ، حالة القداسة والنورانية التي علي صورة الله . وعن هذه الحالة المظلمة التي جاء الله ليفدينا منها ، مكتوب : [ لأنكم كنتم قبلاً ظلمة ( أي قبل الفداء الإلهي ) وأما الآن فنور في الرب ] أف 5 : 8 ، وعن الفداء من الخطية الموروثة من آدم ، مكتوب : [ كما بخطية واحدة ( أي خطية آدم ) صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة ، هكذا ببر واحد ( أي الفداء على الصليب ) صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة ] رو 5 : 18 .
l وكما أن خطية آدم تورث للمولودين منه ، هكذا أيضاً بر المسيح ، يورث للمولودين بالميلاد الثاني في المعمودية ، فنصبح خليقة جديدة ، أي نعود إلى حالتنا الأصلية قبل السقوط ، بنفس نقاوتها عندما كانت جديدة تماماً .
l وكما أن الله خلق الإنسان مقدساً ـــ روحاً وجسداً ـــ وأعطاه الحرية ليختار : إما أن يستمر في القداسة ، أو أن يسقط في الخطية ، فيصبح دنساً جسداً وروحاً معاً l كذلك أيضاً بعد تجديد خليقتنا بالميلاد الثاني ، تظل للإنسان حرية الإختيار بين أن يستمر في القداسة ، أو أن يسقط في الخطية ، فيفقد كل شيء l ولكن رحمة الله أعطتنا في هذا الفداء العجيب فرصة التجديد الدائم من خلال التوبة والإعتراف ، فتعود له قداسة الجسد والروح معاً ، لذلك مكتوب : [ لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح ] 2 كو 7 : 1
lإذن الجسد والروح مخلوقان على القداسة ، والخطية تدنسهما معاً ، والتوبة والإعتراف تطهرهما معاً . فإن الجسد مخلوق مقدس ، مثله مثل الروح ، فإنه ليس مخلوق للخطية بل لتمجيد الله ، لذلك مكتوب : [ الجسد ليس للزنا بل للرب ] 1 كو 6 : 13 l إننا بالمعمودية أصبحنا أغصاناً في الكرمة التي هي المسيح ، لذلك مكتوب : [ أجسادكم أعضاء المسيح ] 1 كو 6 : 15 l إنه قد إشترانا بدمه . والواجب علينا أن نحافظ على عطيته : [ قد إشتريتم بثمن ، فمجدوا الله في أجسادكم ] 1 كو 6 : 19 ، وأيضاً : [ إفتديتم ... بدم كريم ] 1 بط 1 : 18 و 19 .
l وبعدما فدانا الرب ، وفتح لنا صفحة جديدة بيضاء ، فإننا مطالبون بالثبات فيه ، بالجهاد ضد الخطية ، لئلا نرتد إلى الحالة الساقطة المظلمة ، إننا نحتاج إلى الجهاد في كل صغيرة وكبيرة : [ وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء ] 1 كو 9 : 25 ، للحفاظ على قداسة الجسد والروح معاً : [ لتكون مقدسة جسداً وروحاً ] 1 كو 7 : 23